TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الأشخاص ذوو القدرات المختلفة

الأشخاص ذوو القدرات المختلفة

نشر في: 22 ديسمبر, 2012: 08:00 م

مارتن كوبلر*

العراق صادق على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لكن لا تزال التشريعات اللازمة لضمان تنفيذ الاتفاقية معلقة.

ألهمني، مثل الكثيرين في العراق وفي أنحاء العالم، أداء الرياضيين العراقيين في أولمبياد المعاقين الذي جرى في لندن الصيف الماضي. حيث تنافس الرجال والنساء من جميع أرجاء البلاد مع أقوى الرياضيين المعاقين في العالم وأسرعهم وأذكاهم وأكثرهم قدرة على التحمل، وقد أبلوا بلاء حسناً حيث فازوا بميداليتين فضيتين وميدالية برونزية. وتم تكريمهم رسميا في العراق تشجيعاً لما أبدوه من عزيمة قوية وروحٍ إيجابية في التغلب على الصعاب التي تفرضها عليهم إعاقاتهم.
ومع ذلك، لم يغير النصر الذي حققوه من الظروف المتواضعة التي يعيشها العديد من أبطال أولمبياد المعاقين في وطنهم. وأحمد نعّاس، الذي فاز بميدالية فضية في رمي الرمح للرجال الذي حقق رقما قياسيا عالميا، هو مثال على ذلك. فبحسب ما أوردته الصحافة الشهر الماضي، عاد أحمد للعمل في كشك البقالة الذي تملكه عائلته وإلى المنزل المكتظ الذي يسكن فيه مع أفراد أسرته الكبيرة. وتلاشت لحظة مجده وأمله في الحصول على حياة أفضل ،كما أنه عاد إلى التدريب باستخدام الأدوات البدائية.
ولعلّ السيد نعاس، الذي يعاني التقزم، أفضل حالاً من كثيرين غيره من العراقيين، فلديه مصدر دخل وقطعة أرض اشتراها بأموال الجائزة ،ولكنه في الوقت نفسه يمثل العديد من الرجال والنساء الموهوبين والمهرة الذين يتعايشون مع الإعاقة والذين تحبط التحديات التي يواجهونها كل يوم من قدرتهم على الإسهام في تحقيق مستقبل مزدهر لهذا البلد.
يوجد في العراق أعلى نسبة من المعاقين مقارنة بباقي الدول، ليس فقط من حيث عدد الأشخاص الذين ولدوا مع الإعاقة، بل من حيث عدد أولئك الذين لحقت بهم في ما بعد. فقد تسببت ثلاث حروب على مدى عدة عقود ،فضلاً عن الهجمات الإرهابية، في أن يفقد عدد كبير من الناس أطرافهم وأبصارهم وقدراتهم البدنية والفكرية والنفسية المختلفة التي يعدها الآخرون أمراً مسلماً به. وقد أدى تراجع الخدمات الأساسية وعدم توفر الرعاية الطبية إلى تفاقم هذه المشكلة.
وفي أغلب الأحيان، يجد العراقيون ذوو الإعاقة من  أطياف المجتمع كافة أنفسهم مجبرين على البقاء حبيسي المنزل يعانون محدودية فرص الحصول على الرعاية الصحية والتعليم والعمل والفرص الاقتصادية. التقيت مؤخراً بأحد الأشخاص وكان مصاباً بالشلل ويقاسي كثيرا في حياته اليومية، وليس لديه حتى كرسي متحرك يساعده على التنقل ولا يملك المال للحصول على هذا الكرسي.
كما أن محنة العراقيين الذين يعانون  الإعاقة الذهنية أو الأمراض العقلية كبيرة للغاية، إذ نادراً ما تسمع أصواتهم في العراق ولا يوجد إلاّ القليل جداً من الخدمات التي تلبي احتياجاتهم التي تختلف في طبيعتها عن احتياجات الآخرين. كما أن فرص حصولهم على الخدمات العامة في بعض الأحيان مقيدة بنحو كبير.
صادق العراق في 23 كانون الثاني(يناير) 2012 على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة اعترافا بأهمية حماية وتعزيز حقوق هؤلاء المواطنين العراقيين. وكانت هذه خطوة مشجعة نحو الأمام, والأمم المتحدة ترحب بالتزام الحكومة لضمان مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة بنحو كامل وعلى قدم المساواة في كل جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية في العراق تماماً مثل أي مواطن آخر.
ولكن لا تزال التشريعات اللازمة لضمان تنفيذ الاتفاقية معلقة ويجب إجراء المزيد من المراجعات عليها حتى تكون متماشية تماما مع الاتفاقية. فينبغي، على وجه الخصوص، أن ينص القانون على إنشاء هيئة مستقلة مرتبطة بالمفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان للإشراف على تنفيذ الواجبات التي تفرضها الاتفاقية وأن تعمل الحكومة على ضمان إنشاء هذه الهيئة. وينبغي أيضا تشكيل لجنة مشتركة بين الوزارات لمراجعة القوانين والسياسات.وفضلا عن ذلك، ينبغي بذل كل جهدٍ ممكن لتمكين العراقيين ذوي الإعاقة من إسماع أصواتهم في انتخابات مجالس المحافظات لعام 2013 لضمان تمثيل مصالحهم تمثيلا مناسباً في المؤسسات الديمقراطية في البلاد. إنني أشعر بالارتياح لأن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تعمل مع الأمم المتحدة والمجتمع المدني لدعم المشاركة الكاملة للناخبين المعوقين، على سبيل المثال من خلال تسهيل إجراءات الاقتراع وتسهيل وصولهم إلى مراكز الاقتراع.
ولكن الأهم من ذلك هو أن تقود الحكومة الجهود المبذولة لتثقيف الناس ورفع مستوى الوعي عندهم حول الأشخاص ذوي الإعاقة، وذلك لكسر الحواجز التي تحول دون اندماجهم الكامل في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العراق. كما علينا أن نوحد جهودنا لتغيير التصور السائد بأن الأشخاص ذوي الإعاقة يستحقون الشفقة. إن الأشخاص ذوي الإعاقة هم ببساطة أصحاب قدرات مختلفة - التي غالبا ما تتساوى مع قدرات الأشخاص الأصحاء بدنيا وأحيانا تفوقها بكثير.
رفع فارس العجيلي 242 كغ في أولمبياد المعاقين. وأشك أن يتمكن العديد منكم أن يفعلوا ذلك. هناك أشياء كثيرة مثيرة للإعجاب فيه وليس هناك أمر واحد يدعو للشفقة عليه.
عندما يتم تمكين العراقيين ذوي المهارات والقدرات المختلفة الذين يبلغ عددهم نحو 1.5 – 2 مليون ليصبحوا أشخاصا مستقلين، سيستفيد المجتمع العراقي بأكمله. دعونا نعمل معا لإعطائهم الفرصة ليحققوا كامل إمكاناتهم ،ومن يدري ما الإنجازات التي يمكن أن يحققوها للعراق ؟
 * الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جائزة الجوائز

عندما يجفُّ دجلة!

الأقليات وإعادة بناء الشرعية السياسية في العراق: من المحاصصة إلى العدالة التعددية

كلاكيت: المدينة والسينما حين يصبح الإسفلت بطلًا

مأزق المكوَّن المسيحي في العراق: قراءة في محنة الوجود والذاكرة

العمود الثامن: جائزة الجوائز

 علي حسين منذ أن إطلقها الراحل سلطان بن علي العويس في نهاية عام 1987 ، حافظت "جائزة العويس" على التقدير والاحترام الذي كان يحظى به اسم مؤسسها الراحل ، والأثر الكبير الذي تركه...
علي حسين

كلاكيت: المدينة والسينما حين يصبح الإسفلت بطلًا

 علاء المفرجي – 2 – المكان في الافلام العربية كان له حضورا مكانيا ورمزيا واضحا، لكنه ايضا لم يكن هذا الحضور يتعلق بالمكان كجغرافية، أو ثقافة، او تأثير. فالقاهرة في أفلام يوسف شاهين...
علاء المفرجي

الأقليات وإعادة بناء الشرعية السياسية في العراق: من المحاصصة إلى العدالة التعددية

سعد سلّوم تُظهر القراءة في التحوّلات الأخيرة التي شهدها النظام الانتخابي بعد تعديل قانون الانتخابات عام 2023 أنّ العملية السياسية عادت إلى بنيتها التقليدية القائمة على ترسيخ القواعد الطائفية والمناطقية. وقد تكرّس هذا الاتجاه...
سعد سلّوم

عندما يجفُّ دجلة!

رشيد الخيون لو قُيِّضَ للأنهار كتابة يومياتها، لكان دجلة أكثرها أحداثاً، فكم حضارة، سادت ثم بادت، نشأت على شاطئيه، وغمرها ماؤه، مِن أول جريانه وحتَّى جفافه، هكذا تناقلت الأخبار، أنَّ المنبع حُجب بالسُّدود العملاقة...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram