TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الرئاسة المصرية.. في غرفة الإنعاش

الرئاسة المصرية.. في غرفة الإنعاش

نشر في: 22 ديسمبر, 2012: 08:00 م

ظاهرة الضباب لم تُعرف قبلا في مناخ مصر، لكن مؤسسة الرئاسة قررت تعويض هذا النقص، وأحاطت نفسها بكتلة من الضبابية والتخبط في مواجهة أزمات وعنف يضع ضَخَبَه مصر على حافة الهاوية..المشهد السياسي القضائي الأمني والإعلامي أحال الشارع إلى كتلة أسلاك شائكة بالفوضى ومشاعر غضب قابلة للانفجار في ظل تدهور اقتصادي يُهدد بثورة جياع  بعد إعلان محافظ البنك المركزي أنه لا يستطيع تأمين الوضع الاقتصادي أكثر من 3 أشهر بداية من العام الجديد.
في مواجهة هذه الصورة حالكة السواد  اختار محمد مرسي- موظف جماعة الإخوان داخل قصرالرئاسة- الاختفاء تماما من الصورة العامة بعد أن كان يتنقل أسبوعيا بين الجوامع  يُنهي الصلاة  بخطبة إلى "عشيرته"، أو يُطل على جماعته في حوارات تدل إنما دلّت على أن الرجل يعيش حالة انفصال تام أو غيبوبة عن واقع مجريات الشارع .. هذا الاختفاء في وقت تفرض فيه دواعي الحكمة السياسية تهدئة الشارع المصري المُنقسم عن طريق المصارحة والشفافية  فتح الباب أمام عدة احتمالات، أبرزها يُعيد فتح الملف الطبي للرئيس مرسي الذي سبق له إجراء عمليتين لاستئصال ورم في المخ، و يستعد مطلع العام القادم للسفر إلى ألمانيا ،حيث من المقرر أن تجرى له عملية جراحية تتعلق بالعمليات السابقة. يدعم هذا الاحتمال تسرب تحاليل طبية حديثة أجراها مرسي لا يقوم بها إلاّ من سيقدم على إجراء جراحة.
الجانب السياسي لهذا الاختفاء قد يعود إلى نتيجة زيارة وفد من قياديي الجماعة ومستشاري مرسي إلى أميركا واستماعهم بشكل مباشر من الرئيس باراك أوباما الذي انضم إلى اجتماعهم مع الطاقم الرئاسي ومستشار الأمن القومي تأكيدا على وصول رسالته عن ضرورة تدارك الإخوان حالة الانقسام التي تعيشها مصر وحتمية التوصل إلى صيغة تفاهم مشترك بين التيار الإسلامي الحاكم والقوى الأخرى المعارضة التي يتزايد تأثيرها في الشارع، بدلا من منطق التعالي الذي تُمارسه الجماعة تحت وهم شعبية زائفة لم تعد تمتلكها على أرض الواقع، حتى أن مراكز صُنع القرار الأميركي اكتشفت مؤخرا أن صورة التنظيم القوي الشعبي القادر على بسط الاستقرار، وهي الصورة التي حاولت الجماعة تسويقها عبر سنوات  ليست بالدقة التي رصدتها التقارير الاستخباراتية الأميركية، فالجماعة لا تمتلك قدرات وآليات السيطرة على مصر.
اختفاء مرسي يستدعي أيضا إرهاصات نفسية حول إحباط رجل اُختير  لمهمة تبدو فوق طاقاته .. رجل بهرته لذة السلطة في الرئاسة بدلا من تحمُل تبعات مسؤولياتها الجسيمة.. في المقابل كثّفت قيادات جماعة الإخوان المسلمين ظهورها الإعلامي ومؤتمراتها الصحفية  حتى وصل الأمر بالذين يحكمون مصر بدلا من مرسي إلى مطالبة القوى المعارضة بعقد جلسات حوار توافقي مع المرشد العام للجماعة و ليس مع رئيس مصر!!! ومن دون أي صفة أخذوا يُطلقون التصريحات الرسمية التي تعنى بشؤون الدولة ويعقدون لقاءات مع أعلى القيادات الأمنية ،في رسالة واضحة بأن توالي ظهور هذه القيادات هو بغرض سد الفراغ السياسي وكي تنقذ رجلها في السلطة.
عدم الشفافية أيضا ألقى بظلاله على ملامح المؤسسة العسكرية التي ظلت بعيدة عن الانقسام حتى الآن.. موقف الجيش في إطار الضباببة التي غطت سماء مصر  يطرح احتمالات ،أهمها سياسة الانتظار والصبر حتى تصل الأمور إلى طريق مسدودة، وهو أمر متوقع حدوثه نتيجة مكابرة جماعة الإخوان المسلمين وإصرارها على تحقيق خُططها ولو أدى هذا إلى تدمير المؤسسات المصرية كلها، وعند الوصول إلى الطريق المسدودة هذه  يمكن للمؤسسة العسكرية أن تتدخل -وهي في أوج قوتها- لاستعادة شعبيتها بعد اهتزاز الثقة بها نتيجة المطالبات برحيلها أثناء المرحلة الانتقالية التي تلت الثورة. ومن المحتمل أيضا أن  تنأى هذه المؤسسة بنفسها عن التدخل في الشأن السياسي بعد أن ضمنت استقلاليتها بعيداً عن المطامع "الإخوانية".
المشهد التالي في مصر سيتقرر بناء على ما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين ستفتح أُذنها لرسائل "خيبة الأمل" المحلية وكذلك العالمية، وبخاصة من جانب الولايات المتحدة التي اعتمدت عليها الجماعة إلى أقصى درجة في التمكن من الوصول إلى السلطة، أم أنها ستختار الدخول إلى "غرفة الإنعاش" بجوار موظفها المطيع محمد مرسي.
* كاتبة عراقية مقيمة في القاهرة

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram