علي حسينلا يزال البعض من مسؤولينا مصرين على بقاء العراق في قائمة البؤس العالمي، فمعظم التقارير العالمية تضعنا بين البلدان الأكثر بؤسا في العالم، وها هي الحكومة بعد مئة يوم من العناد تصر على أن نبقى في هذه المكانة المرموقة، وكما نعرف جميعا فإن وراء هذا الانجاز العالمي الكبير منظومة متكاملة تحارب في صمت على أكثر من جبهة لكي تضع العراق في قاع سلة بؤساء العالم، منظومة تعمل في تناغم بديع بدءا من مسؤولين كبار وانتهاء بأصغر موظف يمارس هواية التزلج على سطح الفساد.
غير أن هذه الحالة من البؤس ليست أكثر من عنوان دال ودقيق على حالة الاسى العام التي نرفل فيها، من السياسة إلى الثقافة إلى التعليم إلى الصحة، ولأن البؤس بالبؤس يذكر، فمازال صدى فضيحة تظاهرات المالكي الأسبوع الماضي يدوي في الآفاق كاشفا عن مكانة بائسة لنا على صعيد حرية التعبير، فالسيد المالكي لم يستطع أن يفرق بين إدارة أزمة مع متظاهرين مطالبهم سلمية، وبين قوى سياسية تطالبه بشراكة حقيقية في حكم البلاد،وهو بهذا وضع نفسه في مأزق حقيقي واختبار سياسي لم يكن يتوقعه.من الأمور المثيرة للعجب، وذات الدلالة الخطرة في الوقت نفسه، إن السيد المالكي الذي ظل يحذر من التظاهرات ويطلق عليها شتى الأوصاف، قرر في لحظة ما أن ينظم تظاهرات من نوع آخر تدعو له بطول البقاء على الكرسي. ربما يمكن لرئاسة الوزراء أن تنظم تظاهرة ترفع شعارات الحكومة، ولكنها حتما ستعجز عن إقناع المتظاهرين بفوائد البطالة، وبالمنافع التي تعود عليهم من خلال الفساد المالي المستشري، وبرائحة الازبال التي انتشرت في معظم شوارع المدن. تخيلوا المشهد.. تظاهرة من اجل الاستمرار في الحكم يقودها عدد من المقربين من المالكي، في وقت تعجز فيه الحكومة عن توفير سكن لائق وإنساني لعوائل تسكن بيوتا من الصفيح، أو معاش لأرامل ويتامى يعيشون على الصدقات، أو ساعات مناسبة من التيار الكهربائي، أو مستشفيات يجد فيها المرضى علاجا حقيقيا. سأعلن استعدادي أن أشارك السيد المالكي تظاهراته ضد مثيري الشغب من الشباب، وضد أن يحاسب الفاسدون، وضد أن يتخلى البعض عن منافعهم الاجتماعية وامتيازاتهم، لكنني اشترط على المالكي والمقربين منه أن يشتركوا معنا، نحن المساكين، في تظاهرة، ضد الانتهازيين والمرتشين، ضد انعدام الخدمات، وضد سارقي المال العام. إن إصرار الحكومة على القيام بتظاهرات، مؤشر خطير، ومحاولة استغلال السلطة في التحريض ضد منظمات المجتمع المدني مؤشر أكثر خطورة، ولكنه يعني في النهاية دخول الحكومة ومعها مقربوها مرحلة حرجة حقا.. لأنهم سيواجهون خيارين، إما الخروج سريعا من العملية السياسية هربا من الاحتجاجات ضد سوء الخدمات. أو البقاء واللجوء لطريقة "التظاهرات الحكومية "، التي تذكرنا بتظاهرات"القائد الرمز". كنت أتمنى أن يراجع السيد المالكي خطبة أثناء فترة التحضير للانتخابات وما بعدها حيث كان يؤكد إن الفوز الذي حققه جاء نتيجة للعمل والاقتراب من الناس ومعايشتهم وليس بالشعارات، فهو يؤكد بكل الوضوح أن ائتلافه عمل واجتهد وابتكر من الأساليب ما غيّر في بنائه المؤسسي بشكل جذري ومارس على نفسه ديمقراطية الأداء تحت مظلة معايير ثابتة التزم بتنفيذها في حملته الانتخابية. ولكن يبدو أن كلام الانتخابات يصبح خيالا من الماضي ما أن يجلس المسؤول على كرسي السلطة، ولو أمعن المالكي النظر لما يجري لعرف جيدا أن الجماهير بيدها فقط مفاتيح الحكم وهي التي تختار قادتها وليس العكس.كنت أتمنى على المالكي بعد نهاية مهلة المئة يوم أن يدعو إلى مؤتمرات حقيقية تفتح فيها أبواب النقاش لوضع تقييم موضوعي للحالة السياسية في العراق. وان يوضح للناس ما الذي تحقق من برنامجه وما الذي لم يتحقق؟ وما هي الصعوبات التي تواجهه؟، العراقيون بحاجة إلى برامج حقيقية وجادة تطرح آليات تنفيذ خطط التنمية المتعطلة منذ سنوات. بما يصب في النهاية في صالح المجتمع وفي صالح الحياة السياسية التي تحتاج إلى مسؤولين واضحي الملامح ليسوا أبطالا من ورق فوق قصور من الرمال.لكن للأسف الشديد فان المالكي والمحيطين به مصرون على أننا شعب جدير بموقعه البارز في جدول البؤس العالمي، وما جرى في تظاهرات الجمعة وما يجري في مؤسسات الحكومة مجرد عينات من قوانين وضعت بعلم وختم المالكي لكي نحتفظ بمكانتنا كـ"دولة بائسة".
العمود الثامن: قـانون المالكي
نشر في: 18 يونيو, 2011: 09:17 م