TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > البريكـان.. مذبوحـاً

البريكـان.. مذبوحـاً

نشر في: 19 يونيو, 2011: 06:44 م

هادي ياسين عملية ذبحي، إنما تمت وأنا في حالة استرخاء تام، كما إنني تعاملت معها كحلم، على نقيض الواقع اليومي الذي كان كابوساً حقيقياً بالنسبة لي في مدى سنوات طوال من عمري. الآن، أسأل نفسي مذبوحاً: هل كنت أسعى الى دحر هذا الواقع الكابوسي بجعل منزلي مكعباً معتماً من أجل أن أمارس أحلامي الوردية المناقضة، فيه وضده أم أنني كنت أهيئ المناخ الملائم لذبحي؟
في كلتا الحالتين، فإنني كنت مذبوحاً أصلاً . إنني استسلمت ، مبكراً، لليأس من كل شيء ومن كل الناس. حقيقة ً، إنني لا أثق بأحد مطلقاً ، حد أن غياب الثقة هو الذي جعلني استرخي لذبحي وكأنني حصّـنتُ نفسي من كل شيء ومن كل أحد، طوال السنوات الماضيات من عمري، أومن عمر وعيي، فاسترخيت للذبح كما لوكان حلماً. هل أخطأتُ في هذا أم أنني توجتُ فهمي لبطلان العالم بهذا الاستسلام؟ ماذا خسرت؟ لا شيء. سوى إنني توقفت عن الاستمرار في حل معادلات الواقع والكوابيس والأحلام في دماغي وفي مساحة وجودي ، ولكنني ربحت النهاية (التي كانت مؤجلة ً دائماً)... وبهذه النهاية، فإن مشكلة وجودي المادي قد حُـلـّـتْ كرقم رياضي، ولكنه استمر كرمز. وأنا لم أكن لأسعى الى ذلك، ولكن هذا الاستمرار يأتي بواسطة قرائي المساكين الذين كثيراً ما اُخـِذوا بـ (شعري) الذي ما كان بالنسبة لي غير (خربشات) فوق سطح هذا (الوجود). ومن المؤكد أن استمراريتي كـ (رمز) في المعادلة الشعرية لن تدوم طويلاً، حيث ستخف جيلاً بعد جيل من القراء والشعراء والباحثين.. حتى أدخل ، رويداً رويداً، في دائرة النسيان لأغدو مجرد ذكرى، أو كرمز قديم. عندما ذبحوني، كانت أوردتي مسترخية تماماً. لا كنائم ، بل لأنها تعودت طريقتي في استخدامها، من أجل استمرارية الحياة التي فـُرضت عليّ (من جهة مجهولة) في هذا الوجود. لقد نظرتْ إليّ ، هذه الأوردة، بعتاب ٍ خفي.. لأنني لم أمنحها فرصة الاستعداد للذبول والانخماد. انها فوجئت. ولكنها لم تدر ِ أنني، أنا نفسي، قد فوجئت ـ في نهاية استرخائي ـ بأن تعاملي مع ذبحي كان خارج دائرة الأحلام التي عشتها. وأن الذبح، ذاك، قد خسّرني رفقة أوردتي وأحلامي، بل حتى كوابيسي التي تبادلت جميعُها الموقعَ، فجأة، مع الواقع. أنا لا اعرف كيف تلوثت بجرثومة (فلسفة الوجود)، ولكنها حكمت كل حياتي، التي لم تكن حياة ً، بل كانت وجوداً عجزتُ عن أن أكون فيلسوفـَه بغير الصمت والعزلة. وأحسب أنني كنت فيلسوفاً عاطلاً. لكني لا أدري ما الذي أوهم الآخرين بي ، فراحوا ينعتونني بصفات الاحترام والتبجيل التي تحرجني وتسبب ضيقاً لي. لأنني لا أجد معادلاً لها في بوتقة جدول فهمي للعالم أو للوجود. إنني مسكين. ولكني أعرف لماذا أنا مسكين، وهذه المعرفة بحالي هي سبب جمهرة الآراء حولي ، كما أحسب. غير أنها ـ في نظري ـ جمهرة جاهلة ، إنْ لم أقل إنها عاطلة. أنا مسكين، لأني أعرف جيداً (بإيمان كبير) أن كل شيء باطل. هذه المعرفة هي بحد ذاتها مشكلة تولد الأسى وتبعث عليه. الآخرون ـ الذين يحيطونني بهالة ـ يدركون هذا البطلان ، ولكن وفق درجات ما هم عليه من يأس، فهل أنا اليائس الأكبر.. الوحيد؟ ربما كان سلوكي مع المثقفين، والغاوين ، موحياً أكيداً بهذا اليأس. وقد خيبت الكثير الكثير منهم، إنْ لم أقل كلهم. ولكني ـ بهاجس خفي مطمور في مكان ما من نفسي ـ كنت ألمح نثار أو شظايا أمل ما في مكان ما من هضاب الوجود ، فأواصل وجودي اليومي: وأنا أستيقظ مبكراً، وأنا أفطر إفطاري المتواضع، وأنا أقرأ بعض القصاصات، وأنا أقلب كتاباً، وأنا أخرج لمزاولة عملي المكرور العقيم، وأنا أتواصل ـ بتوجس ـ مع الناس، وأنا أفتح باب البيت وأغلقه.. وأنا اُلهي نفسي بلعبة العتمة والضوء، وأنا............... أتمنى أن أقتنع بأنني كنت شاعراً حقيقياً فاعلاً حقاً، كي أتحدث عن دلالة وتأثير ذبحي ، أو أن أصنـّـف مكانتي ، بعد هذا الذبح، ولكن كيف لي ذلك وأنا مأخوذ بفكرة الباطل والبُطلان؟ من المؤكد، إنني ميال الى الطريقة الكلاسيكية في التفكير بالوجود، وبمعناه. ولكن لدي إيمان كبير بالمنجز الخلاق الذي أوصل البشر الى ما هم عليه من تقدم. على أني أفكر أيضاً: هل أسرفت كثيراً في كلاسيكيتي؟ كيف أخذني التفكير بمحنة الوجود حد أنني أصبحت في غفلة عن الوجود، بما جعلني ساهياً عما يفكر فيه الناس في هذا الزمن المتحول، حتى قضيت ُ مذبوحاً بما كنت عليه من (ثبات).. فيما ستصبح قصتي مثل خشبة منسية في بحر؟  أتمنى أن يتحول الذي ذبحني الى شاعر. فهذا هو العقاب الشديد الذي أتمناه له. إنْ حصل ذلك فانه سيمنح لماضي (وجودي) معنىً، قبل أن يكسب أي شيء. إذاك أكون قد حققت أمراً: ففي الأقل، إنني لوثت مساحة وجوده.. وهذا مهم وأثير جداً لرحلة سنواتي التي انتهت بالذبح ، وإلا كيف سأواجه مشكلة البحث عن (معنى) الذبح ودلالة الذابح؟ ليلة ذبحوني، كنت قد فكرت كثيراً بموتي ، كما هو الحال منذ سنوات. ومن الطبيعي أنني تخيلت ـ مرات ـ أن أنتهي مذبوحاً. وفي هذه المرة، قلت لنفسي لحظتها : (ما أنعم السكين؟)  من كثر ما تعودت على الحلم... او الكابوس. لقد رأيت الدم يسيح على طرف المخدة ذات القطن المفصص . رأيته بعين

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram