حسام الحاج يعرف الدستور أكاديمياً على انه "مجموعة القواعد القانونية التي تنظم علاقة الفرد مع المجتمع" وتأتي كلمة "تنظم" هنا كعلة قانونية لتفسير النص، فالقواعد القانونية المنظمة هي التي تضع الاساسيات العامة للحقوق المكفولة للفرد والواجبات الملقاة على عاتقه ، كما ان التنظيم ومثلما يكفل الحقوق فإنه يضع عقوبات رادعة للذي يخل بالنظام العام او على الاقل للذي يخالف احكام القانون،
ولولا وجود النصوص العقابية لما تأسست دولة عبر التاريخ لكونها من اساسيات التنظيم ، ويعد مفهوم التنظيم من اركان التشريع الاساسية لأي قانون فلا داعي لوجود اي تشريع إذا لم يكن يهدف الى التنظيم.ووفق هذا المنظور فإن العراق يعاني أزمة تشريعية منذ عام ألفين وثلاثة، أزمة حقيقية تتمثل بعدم استيعاب مجلس النواب مفهوم التنظيم الحقيقي الذي يتجسد في تشريع القوانين وتوجهه إلى إيجاد نوع من القوانين تركز في مضمونها بشكل جلي على منح الامتيازات الى شريحة معينة دون غيرها، وبطبيعة الحال فإن تلك القوانين تأتي مخالفة لاحكام الدستور الذي يحظر التمييز بين شرائح المجتمع ، وتبدو القوانين التي اعتمدها مجلس النواب وكأنها نوع من المزايدات السياسية لإثبات الحضور لدى شرائح بعينها لما تحمله تلك الشرائح من تأثير، دونما الالتفات الى الآثار السلبية التي تترتب على الدولة برمتها من جراء تشريع هكذا نوع من القوانين . وقد تظهر التخصيصات المالية الضخمة المدرجة في قوانين الموازنة الاتحادية للسنوات السابقة والتي يلتزم مجلس النواب وفق أحكام تلك القوانين إقرارها ، تظهر مدى التأثير السلبي الذي يطرأ على الموازنة التشغيلية المثقلة أصلاً بمبالغ لا طائل من ورائها . قوانين مثل قانون مؤسسة الشهداء، قانون مؤسسة السجناء، قانون حماية الصحفيين، قوانين تعويض المتضررين من السياسيات القمعية ، قانون تعويض المؤنفلين ،.. الخ تفتقر لروح التنظيم وتزخر بالامتيازات وفتح أبواب صرف جديدة قد تكون ذات أبعاد سياسية ضيقة وليست ستراتيجية أو مستقبلية، كما أنها تزيد من التعقيد التشريعي الذي يكبل الدولة ويزيد من البيروقراطية المقيدة لعمل مؤسسات الدولة بشتى اختصاصاتها، كما يتجاهل مجلس النواب في الوقت ذاته وضع قانون سلم الرواتب لموظفي الدولة ويلجأ الى إيجاد قوانين خاصة لرواتب شرائح معينة،فهو يعكف على دراسة قوانين "رواتب الرئاسات الثلاث، رواتب أعضاء مجلس النواب، رواتب الوزراء والدرجات الخاصة، رواتب قوى الامن الداخلي، رواتب القضاة واعضاء الادعاء العام " وتلك القوانين تصطف الى جانب قوانين الامتيازات بل تنطبق عليها الآثار السلبية كافة التي تترتب على قوانين الامتيازات آنفة الذكر. أعتقد جازماً ان مجلس النواب حينما يمضي باتجاه تشريع مثل تلك القوانين فإنه يعكس مدى افتقاره لرؤية ستراتيجية، فهو من المفترض أن يشرع قوانين للاجيال وليس لعام أو اثنين ، كما أعتقد أن مجالس النواب المقبلة والتي ستأتي بعد دورة نيابية او اثنين ستلجأ الى إلغاء التشريعات الجديدة وستنشغل كما ينشغل المجلس الحالي بإلغاء قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل وبإلغاء قوانين تم تشريعها في الدورة الانتخابية الاولى او الثانية لمجلس النواب كونها تتنافى مع مفهوم التنظيم الذي يفترض أن يكون في جوهر كل القوانين التي يتم تشريعها، وبالتالي فنحن نسير وفق العمل النيابي والتشريعي الحالي نحو تعقيد أكبر وتشتيت أكبر للأموال العامة ولا أتردد بأن أقول أن مجلس النواب ومن قبله مجلس الوزراء يشرعن من خلال تلك القوانين عمليات الفساد المالي وإهدار المال العام وهو سلوك خطير للغاية لاسيما نحن في مرحلة بناء دولة المؤسسات.
قوانين تشرعن الفساد
نشر في: 19 يونيو, 2011: 06:55 م