اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > قصة قصيرة..ذاكرة الأسلاف

قصة قصيرة..ذاكرة الأسلاف

نشر في: 21 يونيو, 2011: 08:13 م

عدنان حسين أحمد كان مُتمنِّعاً، مُنبهراً، ومأخوذاً بالدهشة، وهو يلجُ، أول مرة، في متاهة حُلمٍ غريب. قد تكون الأحلام هلوسةً للجماجم الورديّة، أو هذياناً لقراءة الواقع الأسيان بطريقة معكوسة.. دُهش أحمد الطائي حينما وجد نفسه متورطاً في حلمٍ تقع أحداثه قبل ألفٍ وأربعمائة سنة بالتحديد، كان أحمد مسكوناً بالغواية، متأرجحاً في البرزخ القلق المفضي إلى عقارب النزوات المُستفِزة التي كانت تُحرِّضه على إنهاء قيلولته المُتعثرَة في تلك الظهيرة الحزيرانية القائظة،
وهو يثبُ كجواد جريح يصهل تحت وطأة الشهوة العمياء التي تُطفئ مصباح العقل، وتُوقد مشاعل الغريزة الهوجاء في ليل الشبق الدامي. مثل دوّامة العاصفة الشديدة تعالى في تجويف رأسه عواء إيروسي غامض أفْقدهُ صوابه، وهو الكائن الوحيد الذي تتطلع إليه الأبصار باحترام كبير، ومحبّة نادرة، قلَّ أن تجد لها مثيلاً في تلك المضارب المقدّسة التي تحيطها الكثبان الرملية ذات البريق الذهبي المدهش. كان أحمد الطائي ضحية للوساوس التي زرعها في قلبه أحد الحرّاس الذين يتصيّدون له الجمال الذي يأسر الأعماق قبل أن يسحر خائنة الأعين. قال الحارس الذي أدمن التلصص، واستراق السمع، وتصيّد الأخبار بأن الـ "حورية" الحسناء تستمتع بخلوتها بعيداً عن أعين الأهل والرقباء. وإنها أجملُ من كل الأوصاف التي يمكن أن ترِدَ في خاطره. صهلتْ في أعماق أحمد الطائي كل الرغبات الحسيّة الشرسة التي حملتهُ على بساط الشهوات المحمومة، فوجد نفسه ينادي في عز الظهيرة: - يا أهل الدار، يا أهل الدار.ولكن ما من مجيب. كانت حورية تستحم في جوف خيمتها، مذهولة باستداراتها الساحرة التي تُفتِن الألباب.. أرهفت السمع جيداً، فاكتشفت أن صوت المنادي ليس غريباً عن أذنيها، ولابد أن يكون صوت أحمد الطائي، حكيم القبائل البدوية، وزِير نسائها المراوغ. على عجل ارتدت ثوباً، أزرقَ حريرياً، كان والدها، التاجر اليهودي، قد جلبه لها من دمشق في أحد أسفاره المتعددة. التصقت غواية الثوب الأزرق الحريري بتكويرات الجسد الممتلئ، وهو يرتّج شبه عارٍ أما نظرات الحكيم الذي سقط في سوْرة الذهول، وهو يرى كل هذا الثراء الجسدي الباذخ الذي صدمه، وأخرجه عن طوره. سقط الحكيم أرضاً، مَغشياً عليه من الهيمان، فرشَّت "الحورية" الحسناء الماء على وجهه الذاهل المبهور.. أفاق من غيبوبته، فاصطدمت نظراته ثانية بثنايا الجسد الآسر الذي يشفّ من وراء الثوب المبتل، فسقط بين فكّي الفتنة ثانية. أراد أن ينقضَّ على جسدها، ويتمرغ في لحمها البض، لكنه كان يخشى من أعين حراسه الشخصيين الذين يسترقون السمع حتى لتأوهاته المكتومة، وهمهماته اللامفهومة، ورغاء شهوته حينما تبلغ ذروتها في أويقات الخلوة التي أدمنَ عليها مع محظياته اللواتي يتسللن إليه كلما هبط الليل، وأرخى عباءته السوداء على هذه المضارب البدوية المتحصِّنة في قلب الصحراء الموحشة.حدّق بعينيها العسليتين المنفتحتين على سعتهما من فعل الدهشة، وشعر بالكم الهائل من الحنو الكامن فيهما.وضعت أصابع كفها المرتعشة البيضاء على جبينه المُصفّر، ومسحت حبّات العرق المتفصدة من سمت رأسه، وصدغيه، ووجنتيه البيضاويين، كان يعاني ما يشبه دُوار البحر وهو يستغرق في ذهوله المتواصل، وانبهاره المستديم. كان يتمنى أن تمرّر أناملها الطويلة المستدقة على شفتيه ليروي ظمأه القاتل من نعومتها، وطراوتها، وسطوتها الأنثوية، لكنها كانت تتعمد إثارته حينما تقرّب سبابتها من شفتيه بطريقة ماكرة، وتُبعدها في الحال مثل طير ذكي يتسلى بصياد تعوزه المهارة، والدربة، والصبر. ركزّت النظر إلى عينيه فتخيلت ألسنة الشهوة وهي تتراقص صفراء، حمراء، بلون التبر المتوهج الذي يخطف الأبصار. سحبته قليلاً إلى الوراء لكي تُسند ظهره إلى وتد الخيمة، وهمست في أذنه بكلمات معسولة:- أَفِقْ من ذهولك أيها المدنّف، فلقد نذرت لكَ روحي وجسدي في آنٍ معاً.لم يصدّق ما تسرّب إلى سمعه من كلمات ناعمة تقترب من لون الشهوة الفضي، ولم يكن مُوقناً من أن يدها الى منى هي التي كانت تضرب صفحة خده بحنو كبير كي يستفيق من غشيته التي تشبه شطحة صوفي يتخبط في دوائر الوجد. لعن في سرّه الأتباعَ، والحراسَ الشخصيين، وبعض الصبية الذين يتواثبون كالعفاريت في عز الظهيرة، لهذا أصاخ السمع إلى نصيحتها بأن يهيم على وجهه في البريّة بضع ساعات كي يبدّد نيران الجوى التي التهمته من كل حدب وصوب. الصحراء بحر من الرمال الذهبية الممتدة على مرمى البصر. هام أحمد الطائي شارداً من فظاظة الديار إلى مضارب النشوة، والتخيّل، وإطلاق الحواس على سجيتها. ولم يستغرب أعوانه، ومريدوه حينما كان يردد في البرية بجوى لا مثيل له: "زوّجوني إياها بحق السماء".أفاق أحمد الطائي مذعوراً من نداءاته الخفية التي كان صداها يتردّد في برية روحه. ولم يفهم سرَّ هذا الحلم الارتجاعي الذي يعود إلى الماضي الموغل في القدم. ألم يقل علماء النفس "أن صور النهارات الساخنة تتفرغ في شاشة الليل البارد!" وثبَ من فراشة فنغمت أنفه رائحة جسدها النافر الذي يزوره في الحلم كثيراً.. وكم كانت دهشته كبيرة حينما وضع قدمه على أرضية الغرفة فغاصت في بحر متلاطم من الرمال الذهبية الممتدة بحجم الشهوة الليلية التي تستبد به كلما أطبق جفنيه، وأخلد إلى نوم عميق لا يؤرِّقه سوى فحيح النزوات المتجه صوب الحورية الحسناء التي تتناسل في ذاكرة الأسلاف منذ أ

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تركيا.. إقرار قانون لجمع الكلاب الضالة

تقليص قائمة المرشحين لخوض الانتخابات مع كامالا هاريس

وزير التعليم يخول الجامعات بمعالجة الحالات الحرجة في الامتحان التنافسي للدراسات العليا

اليوم..مواجهة مصيرية لمنتخبي العراق والمغرب

تعرف على الأطعمة التي تحفز نشوء الحصى في الكلى

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram