تنطلق اليوم في مصر، المرحلة الثانية من الاستفتاء على مشروع الدستور المثير للجدل، وسط احتدام الشارع، حد الصدام بين القوى المؤيدة والمعارضة، وبما يؤشر إلى أن النتيجة لن تكون مرضية لنصف المصريين، وبما يعني أنه، أي الدستور، لن يكون توافقياً، وسيثير من المشاكل أكثر بكثير من ما يضع من الحلول، صحيح أن قواعد الديمقراطية تقضي بالاحتكام إلى الشعب في القضايا المصيرية، غير أن الحالة المصرية تبدو معكوسة، إذ يبدو اللجوء إلى الشارع كمن يصب الزيت على نار أزمة سياسية عميقة، تعصف بالبلاد منذ إطاحة نظام مبارك، واستيلاء جماعة الإخوان المسلمين على الحكم، ومحاولتهم قولبة البلاد على مقاس حزبهم وأفكاره الدينية، في بلد مفعم بالشوق للحرية والديمقراطية والتعددية.
يحاجج الإخوان بأن الاحتكام إلى الشعب وصناديق الاقتراع سيحسم الخلاف، ويعتمدون في طرحهم هذا على نتائج المرحلة الأولى، التي كانت لصالح إقرار الدستور، بنسبة جاوزت حاجز 50 % بقليل، وهم يأملون أن تكون نسبة الموافقة أكبر من ذلك في المرحلة الثانية، غير أن المعارضين، من القوى العلمانية والليبرالية، يؤكدون عدم إمكانية اعتماد نتائج التصويت دليلاً على الديمقراطية، في بلد لم يطلع فيه أغلب المواطنين على مواد الدستور الجديد، إضافةً إلى لجوء السلطة الإخوانية إلى العديد من الخطوات المنافية للديمقراطية، كالإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي، وحصن فيه قراراته السابقة واللاحقة، قبل أن يتراجع عنه تحت ضغط الشارع والقوى السياسية المعارضة.
لا تتناقض قوى المعارضة مع فهمها للديمقراطية، حين ترفض نتائج استفتاء لم يتم بنزاهة، وفي ظل إجراءات غير سليمة، وسلطة غير ملتزمة بالقيم الديمقراطية، في جميع القرارات الصادرة عنها، حيث شهدت المرحلة الأولى من الاستفتاء انتهاكات كبيرة، وبات واضحاً أن السلطة الإخوانية تمارس فكراً أقرب إلى الفاشية، من حيث فهمها السلبي لحرية الصحافة، وانتهاكها استقلال القضاء، واعتبارها ذات الرئيس مقدسة غير قابلة للنقد، وتجاهلها أن حصولها على أغلبية بسيطة، لا يعني الاستفراد بالحكم وكبت الحريات، ويعني ذلك أن نتيجة الاستفتاء لن تهدئ الأوضاع، وأن الحل يكمن في حوار وطني حقيقي، تستمع فيه السلطة إلى مطالب المعارضة، ويسفر عن توافق على قانون الانتخابات البرلمانية المقبلة، الذي يتوقع أن يكون بؤرة الخلاف الجديدة، إن لم تتفجر الأوضاع نتيجة الاستفتاء على الدستور.
بات واضحاً مع كل تطور للأحداث في مصر ما بعد مبارك، أن تدهور الأوضاع لن يكون في صالح أي من طرفي المعادلة، وبات واجباً على السلطة والمعارضة، التوقف والامتناع عن كل اتهام للطرف الآخر بالتخوين، أو الاستهانة به والتقليل من شأنه، فمصر قادرة على استيعاب الجميع في عملية ديمقراطية حقيقية، وعليهما إدراك أن الجماهير غير المنتمية حزبياً، فقدت الحماس، وأصيبت بالإرهاق، وضاقت ذرعا بالمناكفات السياسية، والدليل أن الدعوات إلى المليونيات لم تعد تجذب غير العشرات، أو المئات في أفضل الأحيان.
دستور يحظى بموافقة نصف المصريين، أو أكثر من ذلك بقليل، لن يكون خطوة في الاتجاه الصحيح، بل وصفة مؤكدة للفوضى والخسارة، فهل يدرك الإخوان قبل فوات الأوان.
دستور لنصف المصريين
[post-views]
نشر في: 22 ديسمبر, 2012: 08:00 م