هاشم العقابي
مثل أغلب المثقفين العراقيين، وضعت يدي على قلبي يوم تحدثت الأخبار عن تدهور صحة الرئيس جلال طالباني. لا أظنني بحاجة إلى براهين كي أثبت أن السلطة ومن فيها ناشبت المثقفين العداء حتى باتوا غرباء في وطنهم. لكني أرى انه لو قسى الدهر أكثر وغيّب الرئيس، لا سمح الله، فأنهم سيفقدون سدرة البيت.
يصعب علي أن أضيف شيئا لما كتبه مثقفونا المنصفون عن مام جلال. سأكتفي فقط بالإشارة إلى أنه ما من شاعر أو فنان أو كاتب داهمه المرض أو حاصره شبح الموت إلا ووجدنا الرئيس طالباني يسارع لرعايته. أحيانا نناشده فيستجيب لندائنا، وفي اغلب الأحيان نجده قد سبقنا باتخاذ قرار الاهتمام والرعاية. وحين نشكره يرد علينا بأن وقوفه بجانب المثقف في أيام شدته ليس فضلا منه بل واجب عليه.
حب طالباني للثقافة واهتمامه بالمثقفين لم يبدأ مع توليه منصب الرئاسة بل كان منذ أيام معارضته الدكتاتورية وعيشه في المنافي صديقا للمثقفين والأدباء والفنانين. يعرفهم بالأسماء ويقرأ لهم ويتابعهم. وكيف لا يكون كذلك وهو واحد منهم ،إذ بدأ حياته كاتبا وصحفيا؟ كان عضوا نشيطا في نقابة الصحفيين العراقيين يوم كان يرأسها الشاعر محمد مهدي الجواهري.
أحبه الجواهري واتخذه صديقا مقربا حتى أنه قال فيه:
شـوقاً "جلالُ" كشوقِِ العين ِ للوسـنِ كشوقِ ناءٍ غريب الدار للوطن
شـوقاً إليـك وأن ألـوت بنا محـنٌ
لم تدر أنا كفاءُ الضُّرِّ والمحن
يا ابن الذرى من عُقاب غير مصعدةٍ
شمُّ النسور به، إلا على وهن
وحسبُ شعريّ فخراً أن يحوزَ علـى راو ٍ
كمثلك ندبٍ، مُلهمٍ فطن
أغلب من أرّخ حياة الجواهري وشعره يعتبر مام جلال من بين أبرز رواة تاريخه وشعره. والرئيس يفخر بذلك حتى أنه يندر أن يلقي خطابا أو يقول كلمة إلا وضمنه، أو ضمنها، بيتا أو أبياتا من شعر الجواهري.
روى مام جلال لبعض من أصدقائنا المثقفين انه عندما زار مصر والتقى برئيسها السابق حسني مبارك قرأه، أول ما دخل عليه، أبياتا تغنى بها الجواهري بمصر. ولما انتهى كان يتوقع ردة فعل إيجابية من مبارك أو أنه، على الأقل، يحفظ شيئا منها لأنها تخص بلده. النتيجة كانت أن مبارك رد على طالباني: والله ده شعر كويس يا سيادة الرئيس!
ومن تواضعه تجاه رموز الثقافة والشعر أنه يوم زار دمشق قبل أعوام أخبر بشار الأسد أن أول ما يود القيام به هو أن يزور الشاعر مظفر النواب في بيته. رد الأسد بأن ذلك صعب لأن الأمر يحتاج إلى تأمين المنطقة التي يسكن فيها النواب أمنياً، ويعني ذلك منع التجوال فيها. مع هذا إصر مام جلال على الزيارة لأنه يرى في مظفر رمزا عراقيا يستحق ذلك وأكثر.
تواضع طالباني وصبره وسعة صدره وحكمته من النادر أن نجدها في سياسيينا مثلها، صفات لا يختلف عليها منصفان. وان كان قد مرّ عليها أغلب من كتب عنه في هذه الأيام. لكني، لم أجد من كتب عن السبب الذي جعله مختلفا عن غيره. لا أجزم بأني أعرفه، لكني سأبيّن في غد سبباً قد يكون مهماً.
جميع التعليقات 1
خليلو...فيلسوف بغداد
منذ أسابيع لم أعلق على كتاباتك,لست أدري,ربما لم أحسَ فيها بمايفرغ مماأقاسيه من غضب على مايجلبه لنا،نحن العراقيين,المتسيسون الطارؤن على عالم السياسة،لا بارك الله فيهم ولاهداهم إلى السبيل السوي بل أوردهم مورد الهلاك..لكنك لامست فيَ ملمساً حسناً بما أوردته