متابعة: زياد مسعودأصدرت مجلة (الحياة الثقافية)  التي تصدر عن وزارة الثقافة في تونس، عددا جديدا (أفريل- ماي 2011)، كان خاصا ببحوثٍ تناقش العلمانية، ومدنية السلطة، أسهم فيه كثير من المفكرين؛ منهم، عبد الحميد أحمد أبو سليمان (إشكالية الاستبداد والفساد في الفكر والتاريخ السياسي)، ومحمود الذوادي (أضواء على المنهجية البديلة للعلمانية لصالح كسب المعرفة الوفية)، وشكري دربالي (العلمانيون العرب ومسألة الهخوية)، ورمضان بن رمضان (إضاءات حول مفهومي الأرثودكسية والعلمانية)،
 ومصباح الشيباني (العلمانية ووعي اللحظة العربية الراهنة)، وسواهم.  تتقدم البحوث مادة رئيسة من كتاب المفكر الراحل محمد عابد الجابري (نحو إعادة قضايا الفكر العربي المعاصر) مستلة تحت عنوان (الدين والدولة ... في المرجعية التراثية)، ناقشت موضوعة الإرث الخلافي، وموازين القوى، والثغرات الدستورية في منظومة الخلافة، التي منها:1-عدم إقرار طريقة واحدة مقننة لتعيين الخليفة.2-عدم تحديد مدة ولاية (الخليفة).3-عدم تحديد اختصاصات الخليفة. 4-ويتعرض الجابري ـ بمزيد من الجرأة المسؤولةـ إلى تفاصيل العلاقة بين  الصورة الدينية للخليفة والصورة المدنية؛ ليصل إلى الرأي القائل بخصوصية العلاقة بين الدين والدولة، وضرورة معالجتها في ضوء معطيات كل بلد، وهو بذلك لا يقطع برأي شامل، على الرغم من اعتراضاته الواسعة على منظومة الخلافة. ويعالج بحث (محمود الذوادي) الذي كتبه بعد أحداث الثورة التونسية موضوعة السائد من فهم  متكرر عن العلمانية، بوصفها بناء لفكرة فصل الدين عن الدولة، حيث تبنى مفكرون وباحثون غربيون هذا التوجه بكثافة، لكن هذه الظاهرة تتعرض – في معناها السياسي والاجتماعي – في المجتمعات الغربية إلى انتقادات الكثير، وفي مقدمتهم عالم الاجتماع الألماني (ماكس فيبرفيما) يقول السيوسولوجي الأمريكي (بيتر بيرغر)، إن الإنسان يحتاج إلى المقدس ليستطيع إعطاء معنى للعالم. ويناقش  الباحث  مشروعا لتأسيس علم اجتماع إسلامي؛ اعتمادا على ذلك الفصل المفترض بين المجتمعات، على أساس الدين والعقيدة، على الرغم من أن صنوف العلم واحدة.   ويرى شكري دربالي (تونس) في بحثه (العلمانيون العرب ومسألة الهوية) أن معنى العلمانية ملتبس، ويحمل أكثر من مفهوم وتأويل، ويرى أن العلمانية عند العرب علمانية راديكالية، وقد أطلق دربالي عليها تجوّزا العلمانية العربية، وقال إنها تقع في مأزق  الفهم الأبستمولوجي غير الدقيق للعلمانية الأوروبية المؤسسة على خبرات مجتمعاتها. يقول دربالي ـ وهو يناقش تأثيرات الثورة التونسية الحديثة على التوجهات العلمانية ـ إن التيار العلماني في تونس اليوم، يواجه عدة مخاطر، أبرزها، الانزلاق نحو توظيف خطاب أيولوجي غربي، لا يعبر في مضامينه عن الحقيقة.    ويناقش  جمال الدين دراويل (جدلية الحرية والسلطة لدى النخبة التونسية في الثلث الأول من القرن العشرين) حيث الحرية إرادة وقدرة على الفعل، يعترف بها القانون، وينظمها، فيما تحرص السلطة على توسيع نفوذها دائما، وتفرض المزيد من نفوذها، وهو يدعو المؤسسات الدستورية والشعبية إلى إيقاف زحف السلطة على مساحة الحرية، ويضع أفكار النخبة التونسية، تحت ضوء التفكيك؛ إثبات ذلك، مبتعدا عن طرح موضوعة الحرية كمفهوم سيادي في المجتمعات المتقدمة، لا تستطيع السلطة أن تسطو عليه، أو تقصقص نفوذه بفعل الوعي الاجتماعي السياسي الذي يسود المجتمع.تعتمد بحوث المجلة الأخرى على التطبيقات التونسية الخاصة لمفاهيم العدالة والحرية والتنوير والعلمانية، في أفكار خير الين التونسي، وعبد العزيز الثعالبي، وغيرهم من مفكري تونس، ورجال وعيها الأوائل، ويعد هذا العدد من  (الحياة الثقافية) وثيقة من وثائق التوجهات الفكرية المهمة داخل العالم العربي.