TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > أزمة سياسات لا شخصيات

أزمة سياسات لا شخصيات

نشر في: 29 يونيو, 2011: 05:33 م

عدنان الصالحي  يعبر عن الأزمة بأنها أوقات حرجة وحاسمة, وحالة من عدم الاستقرار, تنبئ بحدوث تغييرات سريعة ومنفلتة, كما أنها تضاعف من معاناة الناس, وغالبا ما تحدث في توقيتات لا يختارها المتأثرون بها, لذلك لا يستطيع أحدا الفرار منها وتجاهلها, كما يمكن أن تكون سبباً في التغير بالاتجاهين السلبي أو الايجابي بسبب ما قد تفرزه من نتائج ومضاعفات بحسب شكل التعاطي معها، فيما يرى البعض بأنها زيادة كمية التداخلات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أكثـر مما تستطيع المؤسسات استيعابه نتيجة لموقف جديد لم تواجهه المؤسسات من قبل.
وبيد أن الأزمات السياسية هي الأكثر شيوعا في العالم بسبب الوضع السياسي المتغير للدول فهي تكاد تطغى على باقي الجوانب، وهذا النوع عادة ما يخلف مشاكل ونتائج تمتد آثارها إلى سنوات وعقود طويلة حتى يمكن التخلص منها أو تلافيها.   المتابع لمجريات الأحداث عبر التاريخ يجد إن اغلب الأزمات تكون في بداية عهد الحكومات أو نهاياتها أي خلال فترة التحولات من عهد إلى آخر وخصوصا في الدول التي يكون فيها النظام شموليا استبداديا مطلقا، بينما نادرا ما تحصل للحكومات والدول المستقرة أزمات،لا سيما التي تنعم بحياة تعددية أو تداول سلمي للسلطة وفصل للسلطات. التحول الحالي في العراق وما حدث فيه من أزمات متتالية، هو في حقيقته أزمة سياسية تشعبت في باقي المجالات نتيجة سوء معالجتها فأنتجت مضاعفات وتراكمات معقدة، وجميعها نتجت بشكل أساس من طريقة تعاطي الكتل العراقية السياسية بشتى ألوانها مع الملف العراقي منذ سقوط النظام السابق في 2003 ولحد الآن ،فلم يرق عمل تلك الأحزاب إلى مستوى الحدث الكبير، فالتغيير الذي شهده العراق كان بوابة التغير الكلي لعموم الشرق الأوسط وسياسة مغايرة في منهجية تعامل الدول الغربية مع الدول العربية خصوصا التي كانت معتمدة لقرون  على طريقة حكم ممنهجة في قمع ووأد الحريات وكبتها وتغييب تنوع المجتمعات ووضعها بلون واحد. في العراق الحالي فان الصراع على السلطة غيب بشكل كامل أي دور لإستراتيجية بناء الدولة المدنية الحديثة أو تأسيس مجتمع مدني او تقوية باقي السلطات ومنها القضاء والإعلام ومراكز الدراسات التي تعتبر اليوم ركائز أساسية في بناء الدولة المتحضرة، هذا الصراع والشحن السياسي جعل من الأزمات السابقة المستورثة طريقة وآلية للتعاطي مع الأحداث دون البحث عن حلول حقيقية لها بل إن بعضها يضخم بحسب الحاجة فيما يصغر ويهمل اذا لم يكن عنصرا مهما في لعبة السياسيين. ولذا كانت اغلب الحلول للازمات المتلاحقة هي حلول وقتية ترقيعية او (سياسة حزبية محضة)، ولذا فإنها سرعان ما تتجدد بزوال المسكن أو أي تغيير يطرأ على منهجية القيادات، هذا التوجه في طريقة البناء الآني والعمل بالموجود بدون مراعاة نتائجه سبّب مشاكل إضافية فبدأت الأزمات الاقتصادية تتلاقح مع باقي الأزمات الاجتماعية والسياسية لتضرب بقوة في الساحة الأمنية المهزوزة أصلا. الرؤية الشاملة لبناء دولة مؤسساتية بنظامها الديمقراطي الحديث رؤية تكاد تكون معدومة في فكر اغلب المتصدين للعملية السياسية الحالية، بل إن الفترة القليلة الماضية كشفت عن علاقات غير طيبة بين اغلب الكتل وباتت الثقة في ما بينهم شبه معدومة والتنصل من الوعود سمة لأغلب المواقف التي تتخذ. ومن خلال ما تقدم يمكن القول بان ما يحدث في العراق هو أزمة (سياسات لا شخصيات) فبلاشك يمكن القول إن هنالك الكثير من رجال الدولة الموجودين يمتلكون الكفاءة والنزاهة وقادرون على النهوض بالدولة من وضعها المتردي في الجوانب المختلفة إلى شواطئ متقدمة وفي أولويتها النهوض بالواقع السياسي، غير أن ما يقف حائلا أمام هذه الشخصيات هو الجو السياسي(الموبوء) بتراكمات الخلافات السياسية وفقدان الثقة وبناء الذات على حساب الغير، وهذا بدوره ولد فجوة كبيرة في ما بين الواقع والطموح جعل البناء أصعب مما تلا 2003. فالشخصيات السياسية والخلافات بينهم موجودة دائما وفي كل المجتمعات مهما تغيرت الوجوه والأزمنة والأمكنة، وقد تتسبب بمشكلات مختلفة، ولكن الذي يخلق الأزمات ويراكمها ويعقدها هو الإصرار على السياسات الخاطئة والخوف الرهابي من الاعتراف بأنها خاطئة، والشعور بالتوتر والانزعاج من النقد الموجه لها. هذه السياسات الخاطئة المتراكمة ستؤدي إلى خلق دولة عشوائية وبناء اعوج هش لايرتقي الى مستوى الدولة المدنية العصرية المحترمة. لذلك نرى أن الدول القوية الحديثة لا تتأثر بصراع الشخصيات وصدامها وخلافاتها بل إنها قد تقويها لان تلك الدولة بنيت على سياسات استراتيجية سليمة تقوّم وتصحح وتعدّل باستمرار. الأسباب: أولا: عدم احترام البنود الدستورية وخرقها من قبل أعلى سلطتين تشريعية وتنفيذية لمرات عديدة واختلاف تفسيرات المواد الدستورية حسب الآراء الحزبية و الأهواء الشخصية. ثانيا: ضعف هيبة الدولة بمؤسساتها وسلطاتها الدستورية,  مقابل تنامي شخصياتها وشخصنتها وفقدان الثقة بين مكوناتها، حيث هيمنت الرؤى الشخصية والفئوية على مشروع السلطة، بدلا من وجود رؤية موضوعية ومهنية تهدف إلى بناء الدولة القوية العصرية المؤسساتية. ثالثا: غياب الأهداف والخطط الاستراتيجية عن رؤى الحكومات المتعاقبة, وافتقار القيادات للآليات والأسس السليمة لإدارة الدولة. رابعا: احتكار القرارات السياسية وهيمنة مراكز قوى مؤثرة ومتنفذة. خامسا: تهميش وتقليص دور أهل الخبرة وأصحاب الكفاءة في مناصب الدولة المختلفة، وتغييب وتجاهل مراكز الدر

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram