علي حسن الفوازالسؤال النقدي هو أكثـر الأسئلة إثارة للجدل، مثلما الأكثـر فاعلية في خلق الدوافع الباعثة على المغايرة والمفارقة والمواجهة، وإذا كان هذا السؤال يؤشر جدّة المقدمات، فان تشكيل ملامح نسق الفاعلية النقدية هو التبدي الإشكالي الذي يفترض به وضع الآليات والبرامج وسياقات العمل في الإطار الإجرائي للتعاطي مع أزمة سيرورة الدولة الجديدة، وأزمة طبائع الجماعات الحاملة لتاريخ الدولة القديمة، والواقفة عند تخومها دائما، ومن هنا ندرك أن قوة السؤال النقدي تكمن في طبيعة مايؤشره من علامات،
وفي متن مايحمله من مضامين ورسائل، وبالتالي المساعدة على أن يكون النقد قوة معنوية فاعلة قادرة على الحراك، وعلى المساعدة في إطلاق المكنونات(المسكوت عنها)بوصفه الخطاب المضمر، أو خطاب الحيوات الخاضعة تاريخيا للنسق المهيمن، إن كان على مستوى السلطة والجماعة، أو الايديولوجيا اوالامة او اللغة. هذا التوصيف يضعنا إزاء جملة من المعطيات التي يمكن من خلالها استقراء فاعليات التغيير التي تواجه اللحظة العراقية الصعبة والمثيرة لشهية الجدل، باعتبار أن هذه اللحظة المفارقة لم تعد(تاريخية)بمعنى خروجها من رحم التاريخ التراكمي القديم لصراعات الدولة التقليدية ولمظاهر قوتها التاريخية الحاكمة، إذ باتت هذه اللحظة اليوم أمام شكل وتوصيف من الارخنة المغايرة، الارخنة التي تبدأ من توصيف القوى الجديدة(قوى المسكوت عنه)، وإشكالات العلائق المستحدثة إزاء مفهوم الدولة ومرجعيات الجماعات الأخرى، ولاتنتهي عند توصيف تمظهرات هذه القوى الجديدة في انساق وأنماط لاتملك تاريخا محددا لها في المرجعيات القديمة لتاريخ الدولة أو الجماعة أو الحكم..هذه المفارقة التوصيفية الخارجة من رحم المحنة التاريخية السياسية، بدأت أولى مراحل خطورتها من خلال انعكاسها على التوصيف الثقافي-صناعة الخطاب، اللغة، المصالح، العلاقة مع الأطر الحاكمة- إذ لايمكن لأية ثقافة أن تكتسب شروط الحياة وعناصر الديمومة والتواصل بعيدا عن حيازة الفاعلية الهوية الثقافية، أي الهوية الرمزية الحاملة لشفراتها ومصاديق منظورها للذات والآخر والدولة، خاصة وان تاريخ الهويات يقترن بتراكم تاريخ نموذج الدولة القديمة، والذي يضع الخروج عن هذا التاريخ بمثابة الخروج على الأمة ومرجعياتها الثابتة في أحكام النص والجماعة. ومن هنا يضعنا هذا الخروج أمام إشكالية المواجهة، والذي يفترض بالمقابل صناعة أكثر إشهارا لمعطيات السؤال النقدي، إذ يكون هذا السؤال هو سؤال الدولة والهوية والفكرة والجماعة الجديدة، لفضلا عن أن النقد سيكون في ضوء هذا المعطى سيكون هو العنصر الفاعل والمحرك الذي يمنح الظاهرة الثقافية قوتها، ويكسبها خصالا وصفات مغايرة ومتجاوزة عن ما هو تقليدي في بنيات المنظومة السسيوسياسية، وحتى على مستوى إنتاج العلائق العامة، بما فيها توصيف مستوى استخدام المنظومة المفاهيمة والقدرة على تداولها وتوظيفها في إنتاج مظاهر معينة للخطاب السياسي، والخطاب الديني في سياقه الفقهي والتاريخي. وكل حديثنا عن(الثقافات الجديدة) التي فرضت ظواهرها وحضورها سيكون في إطار ماتمظهر من معطيات باتت هي الأكثر حضورا وغلوا وتعبيرا عن نفسها وقوتها، فضلا عن أن جوهر هذه المعطيات سيكون تعبيرا عن التلازم الإشكالي بين الخطاب الثقافي بمعناه السسيوسياسي والخطاب النقدي بوصفه فاعلية تجاوز دائما، فاعلية في المراجعة وفي المغايرة المولدة للأفكار الثورية والمتحررة، مثلما تكون هي الفاعلية الباعثة على إنتاج مظاهر القوة العميقة المعبرّة عن ولادة أشكال من الثقافات(الشجاعة) الناقدة لنفسها ولمحنة خطابها السري والمثيولوجي، والباحثة عن رؤى تنتمي إلى الدولة الطاردة لكل ماهو رجعي ومتخلف، وليس إلى الجماعة المظلومة تاريخيا فقط.إن شروط التطور التاريخي لسيرورة ثقافة أي جماعة او امة، هي عملية صعبة وعميقة وقارّة في اللاوعي الجمعي، إذ إن مثل هذه الثقافة تكون قد تكرست عبر منظومة معقدة من الظواهر والأفكار والمرجعيات والصراعات، بمافيها المرجعيات العميقة لمظاهر نشوء الهويات والدول وأنماط الخطاب الديني/الفقهي/الطائفي، وطبائع الحكم ومركزياتها التي أنتجت لنا طوال أكثر من ألف سنة مهيمنات عصبوية حمائية وتبشيرية وعنفية للمركز السياسي والقبائلي، مثلما أنتجت لنا طغاة ومستبدين وفقهاء وثورا، وحالمين ومتمردين وصعاليك وشطارا وعيارين.فرضية مواجهة هذه الشروط كثيرا ما خضعت إلى ماتداعى من سقوط الدول، وانهيار منظوماتها السياسية والعسكرية والفقهية، والذي اقترن بعمق وقوة الظاهرة الثقافية ورمزيتها في الدولة وبين الجماعات، إذ أن الشواهد في هذا المجال واسعة، خاصة وان الدول التي تشكلت في العراق هي دول صراعية متناحرة، وان محمولاتها الثقافية كانت مرجعيات فقهية واجتهادية، وضعت الحكم لقوة الجماعة من خلال ظاهر النص، أو تأويل النص، وهذا الخلاف ظل سياسيا في ظاهره، لكنه كان يستبطن الكثير من قيم الظاهرة الثقافية ومرجعياتها، لان هذه الظاهرة كانت هي الحامل الرمزي لفعالية الدفاع والتغيير في آن معا، وهناك من كان يقول إن ظاهرة السقوط السياسي والعسكري لهذه الدول يسبقه دائما السقوط الثقافي بمعناه القيمي والرمزي، خاصة من خلال اختلال معادلة المواجهة بين نمطية خطاب الدولة والجماعة القديمة وبين تنامي فاعلية النقد بأنماطه الباطنية والثورية واتساع الحركات السرية..اتساع فاعلية الاحتجاج والتمرد، هما العلا
أسئلة فـي نقد التاريخ والجماعات
نشر في: 1 يوليو, 2011: 05:33 م