TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > شناشيـل: شيلمهن؟

شناشيـل: شيلمهن؟

نشر في: 2 يوليو, 2011: 07:49 م

 عدنان حسينيحكى أن في ثمانينيات القرن الماضي كان عامل نظافة في أمانة العاصمة يردد مع نفسه بين ساعة وأخرى بصوت مسموع بعض الشيء "شيلمهن؟ .. شيلمهن؟"، لكنّ أحداً من المارة أو أصحاب المحال التي يكنس أمامها لم يكن يفقه معنى همهمة ذلك العامل المهموم ولا مقصده منها، بيد أن شخصاً واحداً كان يعرف كل شيء.
الاستثناء الوحيد هذا كان شخصاً من خواصّ العامل، وهو كان كلما سمع صاحبه يردد "شيلمهن؟... شيلمهن؟" ابتسم وألقى نظرة بانورامية عجلى وشبه خفية على الجدران المطلة على الشارع والمزدحمة بصور صدام حسين.تذكّرتُ هذه الحكاية التي ربما كانت مجرد نكتة اخترعتها عراقية أو عراقي في لحظة ما تعبيراً عن السخط على الحاكم الذي كان يصرّ على محاصرة الناس في حياتهم العامة وداخل بيوتهم أيضاً... تذكرّتها وأنا أسمع وأرى في أخبار التلفزيون أن أمانة بغداد تعتزم، بالتعاون مع قيادة عمليات بغداد، البدء بحملة لإزالة التجاوزات في العاصمة، والمقصود هنا في الأغلب التجاوزات على الشوارع وأرصفتها.إن تحقق هذا، فسيكون عملاً جباراً حقاً، إذ ما من شارع في العاصمة، وفي سائر مدن البلاد، وما من رصيف إلا وجرى التجاوز، بل التعدي عليه، بل هو عدوان صارخ على المواطن، فالشارع والرصيف ملك عام للناس، كل الناس، بيد إن شوارعنا وأرصفتنا غدت ملكاً خاصاً للأفراد من أصحاب المحال والدكاكين والمقاهي والمطاعم والباعة المتجولين.. في كثير من الأحيان يضطر الناس للنزول إلى وسط الشارع المزدحم بدوره بالسيارات والمشي مئات الأمتار قبل أن يجدوا فسحة في الرصيف، أو لتفادي الزحام الشديد على ممر ضيق للغاية تركه باعة الرصيف أو أصحاب المحال الذين كدّسوا بضاعتهم على الأرصفة. في كثير من المناطق تحوّلت الأرصفة في وسط العاصمة وفي ضواحيها إلى مقاهٍ ومطاعم ودكاكين تحتل عشرات الأمتار المربعة ولم يعد في وسع المشاة استخدامها للتنقل من مكان إلى آخر. وفي كثير من المناطق أيضاً حوّل أصحاب المحالّ والدكاكين الأرصفة إلى أجزاء ملحقة بمحالّهم ودكاكينهم يعرضون فيها بضاعتهم ويُتابعون فيها عمليات البيع والشراء.ولأن القوانين المنظمة للحياة العامة غائبة تماماً في العاصمة وخارجها فإن أرصفة الشوارع أصبحت مصدر خطر جسيم وعميم على الصحة العامة، إذ إن باعة المأكولات يعرضون بضاعتهم مكشوفة على الأرصفة فينالها الكثير من الحشرات والأوساخ المتطايرة من الشارع، ويخلّف هؤلاء وغيرهم من الباعة أطناناً من النفايات التي تزيد من وساخة الشوارع في عاصمتنا ومدننا الأخرى التي لا تضارعها في هذا الميدان (الوساخة) أي مدينة أخرى في العالم.حملة إزالة التجاوزات والتعديات في بغداد ستكون عملا وطنيا من الطراز الأول، ولكن يتعيّن، إن تحققت، أن تمتد إلى سائر مدن البلاد، وان تُتبع بحملة وطنية لتنظيف هذه المدن التي تحولت إلى اكبر مراكز للنفايات في العالم.ما نخشاه ، إن بدأت الحملة الموعودة من أمانة بغداد، أن تكون هناك استثناءات، فلا تُزال التجاوزات كلها في جميع الشوارع والمناطق، فتتدخل اعتبارات الطائفية والقومية والحزبية والعشائرية في هذه القضية أيضاً، ونواجه مأزقاً جديداً يشبه المأزق الذي تواجهه العملية السياسية.... شيلمهن؟ !!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram