هاشم العقابيساد بين المهتمين بدراسة شعرنا الشعبي وصف قصائد الشاعر البغدادي الملا عبود الكرخي، بانها لا ترقى الى مستوى الشعر. وكثير منا كان، وربما لا يزال، يعتبر قصائده نوعا من "الملخيات" التي تتسم بالسطحية والسذاجة. ولأن قصيدة "المجرشة" لا تخلو من عمق وصور شعرية رصينة، كمثال، استكثرها النقاد عليه فنسبوها الى أكثر من شاعر جنوبي. سبب هذا الوصف، الذي وصل احيانا حد التحامل على الرجل، قد يعود الى ان الذين قرأوا قصائده لم يدرسوا جيدا الحقبة الزمنية التي عاش بها وكتب حولها.
ليس نقاد الادب وحدهم من ظلم الكرخي، بل حتى الدكتور علي الوردي، هو الآخر، لم يتوقف كثيرا عند قصائده رغم ان فيها الكثير من المعاني والصور التي تعكس طبيعة الفرد والمجتمع العراقيين، خاصة المجتمع البغدادي. قد لا اختلف مع من شخص غياب القيم الفنية في أشعار الكرخي وخلوها من الصور الجمالية، الا اني استغرب من اهمال النقاد والباحثين للقيمة السياسية التي جاءت فيها. لقد كان ناقدا سياسيا جريئا يندر ان تجد له شبيها أو منافسا. فقبل ما يقارب الثمانين عاما قال في مجلس النواب آنذاك: برلمان اهل المحابس والمدسعكب ماچانوا يدورون الفلسهسه كاعد يرتشي وهم يختلسولو نقص من راتبه سنت انعقچقيم الركاع من ديرة عفچوللكرخي ميزة تستحق الاضاءة يندر ان تجدها عند غيره، وهي قدرته العجيبة على اثارة اسئلة وحكايات يصعب على القارئ تصورها. لكن واقع العراق "الجديد" حول حتى ما كان يصوره لنا الكرخي مستحيلا أو خيالا، الى حقيقة ماثلة. أو ليس هو من قال مستبعدا قدوم "المچارية" من لندن: ايصير من لندن تجي مچارية؟ لكنهم قد اتوا فعلا واصبحوا يقودون السياسة والاعلام؟ واليوم طالعتنا الأخبار لتؤكد لنا مرة أخرى بان حكايات للكرخي لم تكن مجرد خيال محض وانها من "بنات" افكاره التي لا تمر ببال أو خاطر أحد غيره. تقول الاخبار، المرفقة بالصور، ان جحافل من الجرذان بحجم القطط أو أكبر تفتك ببغداد. وان هذه الجرذان، التي عهدناها تخاف القطط، صارت القطط تخافها! اليست هي اذن تلك "الجريدية" التي تحدث عنها الكرخي:جريديه وينظرون الاكل الوانفرصه يشاهدون وحاصل اطمئنان ليل نهار يرعون وحقيقه سمان صار جريدي ذيله يطلع اوكيهالاخبار تضيف بان "الجريدية" تتجول ليل نهار بشارع النهر والبتاويين والكرادة، وبعضها حمراء اللون. أما أمانة بغداد فتحمل القطط مسؤولية مكافحتها وتطالبها برص الصفوف لتستقوي ببعضها، وإلا فالقطة الواحدة ستهزم أمام الجرذ!فعلا ما كان ينقص اهل بغداد الذين ترعبهم المفخخات والكواتم وغياب ابسط الخدمات الانسانية، غير ان تغزوهم الجرذان السمينة. ولم لا تغزوهم وهم في بلد حكومته المترهلة لا تسمع ولا ترى ولا تغار ولا تستحي؟ فمثلما يستطيع اي فرد فيه ان ينشئ مليشيا أو يسرق أو يقتل دون ان يجد من يحاسبه أو يردعه، فعلام لا تنتظم جرذانه، أيضا، بميليشيات تصفي حسابها مع "البزازين" اولا، ثم مع الشعب لاحقا؟ لا استبعد في ظل غياب شعور الحكومة بمسؤوليتها تجاه الشعب واصرارها على عدم احترامه، أن نستيقظ ذات صباح لنجد الوفا من الجرذان قد خرجت من مخابئها لتنثر الموت في عيون اهل بغداد، دون ان يحميهم احد. من يدري فلعل البير كامو هو الآخر سيجد ما تنبأ به بروايته الطاعونية، قد حل ببغداد لا بوهران هذه المرة. وعندها ستكمل سبحة القهر والخراب. أما من في هذه الحكومة رجل واحد يزيح عن صدري هذا التشاؤم بالفعل لا بالقول؟
سلاماً يا عراق: جانت عايزة التمت
نشر في: 2 يوليو, 2011: 08:14 م