الكتاب: عن الصين تأليف: هنري كيسينجر ترجمة: ابتسام عبد الله فاز هينري كيسينجر بجائزة نوبل عام 1973 عن المفاوضات التي أدارها حول اتفاقيات باريس للسلام التي أرست وقف إطلاق النار للحرب الفيتنامية التي انتشلت الولايات المتحدة الأمريكية من ذلك المستنقع. ولكن الانجاز الكبير الذي يحتسب لكيسينجر هو هذا الكتاب الكبير،
الذي مهد الطريق للرئيس ريتشارد نيكسون للقيام برحلته التاريخية إلى بكين عام 1972، تلك المحادثات التي انتهت إلى قيام العلاقات الدبلوماسية مع جمهورية الصين.لقد دامت فترة عمل هينري كيسينجر بصورة رسمية، مع الحكومة ثمانية أعوام، بدأت من عام 1969 وحتى 1977، وقد عمل في تلك الأعوام مستشارا للأمن القومي لنيكسون لينتقل بعد ذلك إلى وزارة الخارجية في عهد نيكسون وأيضا في عهد الرئيس التالي جيرالد فورد. ولكن جهوده غير الرسمية وخاصة ما يخص العلاقات الاميركية- الصينية لم تتوقف قط.وتقول التقارير الرسمية إن رحلات كيسينجر الى الصين قد بلغت 50رحلة، وهو في بعضها كان يقوم بتسليم رسائل من الرؤساء، وفي بعض الأحيان من اجل التعرف على المسؤولين الصينيين الجدد، وفي مرات أخرى من اجل التجوال مع عائلته ومشاهدة المواقع الجميلة في الصين. وبقي كيسينجر طوال أربعة أجيال من القادة الصينيين الصديق القديم وكانت الثقة به قوية، من قبل أي رئيس في واشنطن، جمهوريا كان أم ديمقراطياً."عن الصين"، هو الكتاب الـ 13 لكيسينجر، وهو يجمع تحليلات إستراتيجية عن خطوات الصين والأخرى التي تنتج عنها وكذلك خطوات الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق، وأيضاً الأحاديث التي دارت بينه وبين قادة الحزب الشيوعي الصيني.إن المحبين لقراءة التاريخ الدبلوماسي سيستمتعون بهذا الكتاب، خاصة وأن كيسينجر يشرح أيضاً ظروف فشل بعض الفرص، والأخطاء التي رافقت تلك الخطوات نحو إرساء معالم العلاقة بين الولايات المتحدة والصين وذلك قبل قيام نيكسون برحلته الشهيرة إليها، ففي منتصف أعوام الستينيات، على سبيل المثال، اخبر الرئيس الأسطوري ماتسي تونغ، الصحفي الأمريكي ادغار سنو،إن الصين لن تذهب مطلقا إلى الحرب ضد الولايات المتحدة الأمريكية أو تتدخل في فيتنام، ولكن المسؤولين الأميركيين لم ينتبهوا الى إشارته تلك، وواصل إدارة الرئيس ليندون جونسون، كما يكتب كيسينجر، اعتبار الصين التهديد الأكبر لها في الهند الصينية والاتحاد السوفيتي.أما القراء الاعتياديون، فأنهم سيهتمون بما يكتبه كيسينجر عن الأقاويل التي رافقت تلك الاجتماعات وملاحظاته عن القادة الصينيين، ومنها مثلاً: "طريقة حديث ماو في الإيجاز والمزاح، إذ كان يدافع عن أرائه على طريقة سقراط، فهو يبدأ الحديث بملاحظة ما ويطلب من الآخرين التعليق عليها، ثم يتبع بملاحظة أخرى. وعبر هذه الطريقة من الملاحظات التهكمية والأسئلة، ينبثق اتجاه ما.ويقول كيسينجر إنه لم ينجذب إلى دينغ اكسيابوينغ، الذي تولى السلطة اثر وفاة ماو تسي تونغ، وقاد الصين إلى التصنيع الحديث في خلال عقد عصيب، لم يكن يولي المرح أي اهتمام، ولم ينجذب قط إلى الدعابة، ولم يحاول التحدث بلهجة ناعمة لينة كما كان يفعل ماو، ويعترق كيسينجر بتقديره الكبير لدينغ الذي جعل الصين تقف اليوم كقوة اقتصادية كبيرة في العالم.وفي رأيه أيضاً، إن نيكسون كانت له دارية ضعيفة بالشؤون الدولية، ويقول إن التهديد بنشوب حرب على الحدود الصينية السوفيتية هي التي أدت الى الزيارة الأولى لنيكسون الى بيكن، إذ إن السوفيت حركوا مليون جندي تجاه تلك الحدود للقضاء على المعدات النووية الصينية، لان تحرك تلك القوات نحو الصين سيهدد الأمن الأمريكي، ولذلك تم توجيه الدعوة لنيكسون لزيارة الصين وتم ذلك في شباط/1972 أول اللقاءات بين ماو ونيكسون، التي لم تتطرق قط إلى العلاقات بين أمريكا وتايوان.وقد مرت العلاقات الصينية -الأمريكية بمراحل صعبة أحياناً، وخاصة بعد ردة الفعل القاسية من الصين تجاه الطلبة المتظاهرين في ساحة تيانانمين- حزيران/1989، والتهديد الأمريكي بالحصار الاقتصادي وتعليق مبيعات الأسلحة، وكان رد فعل السين عدم رغبتها بتدخل أمريكا في شؤونها الداخلية.وفي رأي كيسينجر، إن مثل تلك الأحداث وغيرها يتوجب إبعاد تأثيرها عن الإستراتيجية القائمة بين البلدين. إن العلاقة بين البلدين هي التي أبعدت التأثيرات الروسية والى زوال الإمبراطورية السوفيتية، ووضع الصين كقوة اقتصادية عالمية. وقد تغيرت الأمور حالياً عنها في مرحلة كيسينجر، إذ لا يوجد عدو مشترك بينهما اليوم.ويدعو كيسينجر إلى ضرورة تواصل العلاقات بين الطرفين وعدم انقطاع الحوار بينهما مهما اختلفت مصالحهما. البلدان واسعان لا يمكن احتلالهما، أو تغييرهما، وكل واحد منهما في حاجة إلى الآخر لتلافي الانعزال.عن/ نيويورك تايمز
كيسينجر والعلاقات الأمريكية الصينية
نشر في: 4 يوليو, 2011: 05:41 م