تكاثرت خلال الأسبوع الماضي تصريحات المسؤولين الروس، بما يخص الأزمة السورية، ولعل مردّ ذلك إلى تغير الأوضاع على الأرض، من حيث إحراز مناوئي الأسد نجاحات في معاركهم الأخيرة، التي تركزت في محيط العاصمة، بعد أن استتب لهم الأمر في الجزء الأكبر من حلب، وهم يناورون اليوم للسيطرة على مدن مهمة في الشمال، ويحرزون في ذلك تقدماً ملموساً، ولعل الأبرز في التصريحات الروسية، هو ما أعلنه الرئيس بوتين بأن الهدف النهائي لبلاده، هو وقف الصراع في سوريا، وليس السعي لمساعدة بشار الأسد، على البقاء في منصبه، وهذه لهجة جديدة، لم نلحظها من قبل في المقاربة الروسية لما يجري في بلاد الشام.
في موازاة ذلك، كان وزير الخارجية سيرجي لافروف يؤكد أن الحرب الأهلية السورية وصلت إلى طريق مسدود، وأن الجهود الدولية الرامية إلى إقناع الأسد بالرحيل ستبوء بالفشل، ومع ذلك فقد رحب لافروف بفكرة تأمين ملجأ آمن للأسد، لكنه أوضح أن بلاده ليست مستعدة للقيام بذلك، أو لإقناعه بهذه الفكرة. وقال إن بلاده ترحب باستعداد أي بلد لتوفير ملجأ آمن للرئيس الأسد، إذا تخلى عن السلطة، لكن موسكو لا ترغب في ذلك، ولم ينس الوزير الروسي التذكير بأن رحيل الأسد لن يوقف المذابح، وأيضاً التذكير بأن لا أحد في هذا العالم يرغب فعلاً بالتدخل عسكرياً في ما يجري على الأرض السورية، وبما يعني ضرورة البحث الجدي في حل سياسي، تشارك فيه روسيا بما يحفظ مصالحها.
موسكو كما هو واضح تجاوزت اتفاق جنيف، وباتت تتحدث بصراحة عن رحيل الأسد، لكنها ترفض تحمل عبء استضافته، وإن كانت تؤكد أنه هو من يرفض الفكرة، ولعلها توصلت إلى تفاهمات مع واشنطن وتركيا، على صيغة للخروج من الأزمة السورية، تحفظ للأسد بعض ماء الوجه، وترضى عنها المعارضة، وهي صيغة يقال إن المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي سيحملها إلى دمشق، فور تلقيه موافقة الرئيس السوري على استقباله، وهي موافقة لا تبدو سهلة اليوم، مع بدء الإعلام السوري الرسمي حملة على مهمته بمجملها، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن إيران لا تقف مكتوفة الأيدي، فقد طرحت مبادرة رفضتها المعارضة، ولم نسمع رأي النظام السوري فيها.
لم يفقد الأسد ونظامه كل الأوراق الصالحة بالوضع على الطاولة، فقواته العسكرية ما زالت قادرة على الرد هنا أو هناك، مع أنها فقدت الكثير من هيبتها ومعنوياتها، وليس مفهوماً بعد إن كان الأسد يحتفظ بتلك الأوراق، على أمل التمكن من حسم الأمر عسكرياً، وهو فرض مستبعد، أو لتحسين ظروفه التفاوضية، للخروج بأقل الخسائر، غير أن المهم اليوم، أنه يفقد الدعم الروسي الكامل والمطلق لاستمرار نظامه، وبالرغم من استمرار طهران بدعمه بكل طاقتها، فإن عليه النظر بتمعن لاستدارة موسكو، وإن كانت غير كاملة، وليس سراً أن الصين تبدو قريبة من التحليل الروسي، ولعل ما يمكن تسميته بتغير الموقف الروسي، سيكون بداية النهاية للأزمة السورية، بغض النظر عن مصير الأسد.