ترجمة: نجاح الجبيلي غيليرمو أرياجا مهووس بالموت. في كل الأفلام التي كتبها – أمورس بيروس، 21 غراماً، بابل، القبور الثلاثة لمليكوادس إيسترادا – تجبر الشخصيات على مواجهة فنائها. فليس من المفاجئ إن التجربة الإخراجية الأولى لهذا الكاتب االسينمائي المكسيكي في فيلم" السهل المحترق" الذي يتعامل مع امرأة تكبت ذكرياتها بسبب صدمة في ماضيها.
يقول أرياجا :" هويتي يكونها الناس الذين أحبهم- الناس الذين من حولي. في كل مرة يموت فيها واحد منهم تتهشم هويتي وتضيع. أنا مهووس كيف أن ذلك الفقدان يؤثر بهويتي. نحن نعيش في مجتمع مهووس بكبت الموت. واعتقد أن مهنة الكاتب هي التعامل مع الأمور المهمة في الحياة بضمنها الموت".فلنتوغل في قصة حياة أرياجا وسوف نفهم حالاً من أين جاء كل ذلك. حين كان في العاشرة يلعب البيسبول في شوارع مدينة مكسيكو ضربه رجل عمره 26 سنة حد الموت. يقول:" دخل أخي، وكان في التاسعة، في بركة ورشّ الماء على فتاة. صفعني أخو الفتاة. ثم أمسك بمضرب البيسبول وراح يضربني. ضربني بشدة. وأتذكر أن الضربة الأخيرة كانت هنا على رقبتي". وانحنى أرياجا للأمام كي يظهر مؤخر عنقه. بعد عدة سنوات وقع أرياجا في حادث آخر مميت. كان ينام خلف شاحنته بينما كان يسوقها عبر الجبال. بدأ السائق يتصرف بحماقة ويفقد السيطرة على المركبة. " سقطنا في جرف. استيقظت في منتصف الحادث. كنا نسقط بصورة حرة حوالي 10 أمتار ثم بدأنا نتدحرج. أتذكر أني استيقظت قائلاً:" إننا على وشك أن نموت". حاولت أن أتشبث بكرة. نجوت في أول دحرجة وفي الثانية والثالثة- وبعد الدحرجة الرابعة توقفت السيارة. فقدت أنفي وخسرت كل تلك العظام". قال مشيراً إلى منطقة بين عينيه" هذه هي إعادة البناء". وبعد بضع لحظات كان أرياجا متأكداً بأنه لديه حالة قلبية. ولم يكن الأمر في غاية الخطورة طالما كان هو يعتني بنفسه. غير أنه حين كان في العشرين من عمره كان يمارس الملاكمة فأصبح قلبه منتفخاً. ومرة أخرى أصبح قريباً من الموت.وعند هذه النقطة بدأ يكتب بجدية. كانت النماذج التي يحتذيها هي وليم فوكنر وتوماس وولف. حين تسمع بمثل تلك الحكايات تبدأ بفهم إن كل تلك اللحظات الحرجة في عمله ليست مجرد فنتازيا بل إنها متجذرة في ما كان يمارسه."السهل المحترق" هي قصة مديرة مطعم في أوريغون ( تؤدي الدور تشارلز ثيرون) وهي ناجحة لكنها بعيدة عن العاطفة وتخشى أن يطلع أحد على مشاعرها. في زي آرياجا التقليدي تتداخل بنسيجها مع أخرى تتعلق بأم أمريكية (تؤدي الدور كيم باسنجر) التي تقيم علاقة غرامية مع رجل مكسيكي متزوج عابرة للحدود الطبقية والعنصرية.يندرج الفيلم ما بين الميلودراما العائلية والتراجيديا الأغريقية. في البداية تكون الروابط بين الشخصيات غير شفافة وحين يتقدم الفيلم تنفتح الجروح القديمة من جديد ونبدأ ببطء فهم سلوك الشخصيات. ومن الصعب القول الكثير عن الفيلم دون الكشف عن الحبكة- شيء يرجو وكلاء الدعاية من الصحفيين أن لا يفعلوه. حين يسأل المخرج – الكاتب عن أصول الفيلم وعلى نحو مفاجئ فإنه يعزوها إلى هوسه الدائم طوال حياته بالصيد. " كنت أصيد بالمقلاع حين كنت طفلاً. في القرى المكسيكية الصغيرة كان لدى كل الأطفال مقلاع. كنت مندهشاً. كنت مرة أصيد الحمام ببندقية وقد صاد الطفل بالمقلاع أكثر مني." الصيد دائماً موجود في عملي. كل من شاهد أفلامي يعلم بأن الشخصيات تتصرف مثل الصيادين. في فيلم "21 غراماً" هناك "شون بين" يصطاد شخصية "نوامي واتس" ثم تصطاد "نوامي واتس" "بينيشبو دل تورو". في أفلام "أموروس بيروس" و"بابل" و"ثلاث دفائن" هناك شخص يصطاد بطريقة مجازية".وعلى الرغم من أنه يظهر كيم باسنجر بأفضل دور لها منذ فيلم " لوس أنجلوس سري" إلا أن أرياجا يعترف بأنه كان في البداية قلقا من إسناد الدور لنجمة هوليوود ( التي أوحت به إليه ثيرون). " في أدوارها السابقة كان لديها نوع من الجنس والسحر في شخصيتها. كانت امرأة جذابة. لكني حين التقيتها رأيت بأن أفلامها السابقة لا علاقة لها بالشخص الحقيقي. الشخص الحقيقي لديه مما يعطيه أكثر من الأيقونة التي عرفتها خلال السينما. بعد أن التقيتها أدركت بأنها ستكون مؤهلة بصورة جيدة للشخصية – ستكون قادرة على إظهار الرقة وليس الجاذبية الجنسية فقط". يأخذ أرياجا مهنته على محمل الجد وهو بلا شك ليس كاتباً للتأجير. "في هذا العالم إنك تشتري مثلما تبيع نفسك. إذا ما صورت نفسك كشخص يريد أن يؤجر نفسه بصورة سيئة للعمل فإنهم سيعاملونك بتلك الطريقة. لكني كنت واضحاً جداً أني اكتب فقط مادتي. لا أطور الأفكار من الناس الآخرين. حتى حين يغريني إعداد الكتب العجيبة أو الناس المدهشين أقول كلا". وهو مؤلف ثلاث روايات لكنه لا يفرق بين كتابة الروايات والنصوص السينمائية. فهو يعاملهما بالاحترام ذاته وينزعج من فكرة أن كاتب النص السينمائي هو ببساطة الذي يهيئ المخطط الذي يصنع منه المخرج وطاقم
غيليرمو أرياجا: طريقة جديدة لسرد القصص السينمائية
نشر في: 6 يوليو, 2011: 07:47 م