شتائم جاهزة وتهديد ووعيد وجهل تام بقواعد القراءة والكتابة، تلك هي مؤهلات البعض من نوابنا الاشاوش بعد أن صرفت لهم كتلهم السياسية مجموعة من العبارات المحفوظة في علب قديمة من عينة "المؤامرة التي تحاك" "الأجندات الخارجية"، "المرحلة الراهنة"، فتُشعر أنهم جميعهم، يرددون هتافا واحدا، ويرتدون ثوبا واحدا وفي يد كل منهم كراس من الوصايا يخرجه في اللحظة التي يشم فيها رائحة اختلاف مع قناعات أولي الأمر ..
آخر إبداعات أصحاب الوصايا.. إن صحيفة المدى منشور سياسي تحرض على الطائفية.. هذا ما أنتجته قريحة النائب علي الشلاه، وهو يرد على سؤال وجه له زميل صحفي عن موقف لجنة الثقافة والإعلام البرلمانية التي يرأسها، من ظاهرة تخريب النصب والاعمال الفنية في بغداد والمحافظات، والتي كان آخرها ما تعرض له تمثال مؤسس الدولة العراقية الحديثة الملك فيصل الاول،.. فالنائب الثقافي يرى أن الحديث عن فيصل الأول إنما هو حديث طائفي.. مقدما نصيحة للمدى وكتابها بألا يدافعوا عن الإرهابيين ومثيري الفتن الطائفية.. ولا ادري ما علاقة نصب لملك رحل عن دنيانا قبل 90 عاما بالإرهابيين والقتلة، إلا اذا كان الشلاه يعتقد أن الملك فيصل يقف وراء تنظيم القاعدة في العراق وانه ينفذ أجندة أجنبية للنيل من المنجزات الكبيرة التي قدمتها الحكومة للشعب.. يعتقد السيد الشلاه أن الإعلام العراقي يعيش مراهقة سياسية مبكرة ولهذا تجب مراقبته مراقبة لصيقة حتى لا يحتك بأي أفكار مدسوسة أو مشوهة، وحتى لا يقع في الفتنة والغواية، إذن المطلوب منا كصحفيين أن نصحح أوضاعنا وندرك أن السيد النائب خائف علينا من الانزلاق في طريق الرذيلة، ومطلوب منا ألا نخطئ في حق الحكومة وان نشكرها لأنها جنبتنا الوقوع في فخاخ الأفكار الإرهابية، ولأنه مصرة على أن تعيدنا الى زمن "القائد الضرورة".
وينسى الشلاه أو ربما يتناسى ان المدى كانت الصحيفة الوحيدة التي وقفت ضد ترشيح طارق الهاشمي لمنصب نائب رئيس الجمهورية.. في الوقت الذي كان الشلاه ومعه ائتلاف دولة القانون يصوتون لصالحه ويأخذونه بالأحضان مهنئين.. ولعل رحلة سريعة على متن "غوغل" أو الـ"ياهو"، من شأنها أن تأتي بالحقائق عارية مهما حاول الشلاه او غيره تغطيتها بتلال من المساحيق المغشوشة.
لعل ما يثير الأسى أن رئيس لجنة الثقافة والإعلام لم يرد على النقاط المحددة التي طرحها عليه الزميل ، وكأننا طرحنا عليه سؤالا في مادة الوطنية فأجاب عن سؤال من مادة القراءة الخلدونية.. نكتب عن ضرورة الاهتمام برموز البلاد فيقول "دار دور" وحين نقول له إن على مجلس النواب أن يناقش القوانين التي تصب في مصلحة المثقفين يرد علينا بعبارة "قدري قاد بقرنا".
ولعل الذاكرة لا تنسى كيف أن الشلاه حول شبكة الإعلام الى إقطاعية خاصة بكتلته السياسية ايام كان احد الامناء، والناس لم تنس بعد مهزلة منع الغناء في مهرجان بابل والإصرار العجيب من فخامته في ان يعطى فقهاء الشريعة حق الفيتو على القوانين ، كما ان لا احد ينسى خطاباته التحريضية ضد المتظاهرين ومحاولة إقناع الرأي العام بان ما يجري في ساحة التحرير هو حركة تخريبية ممولة من جهات أجنبية.
ربما يريد الشلاه ان يحول لجنة الثقافة والاعلام البرلمانية إلى جهة تعد الأنفاس على الإعلام، وتسعى إلى قمع الحريات العامة، إذا كان قد قرر ذلك فقد وضع قدمه على أول الطريق المؤدي الى الانتحار السياسي.
كتبنا أكثر من مرة عن ضرورة أن يثبت الساسة النواب أن ولاءهم الأول للوطن والشعب وليس لأحزابهم أو كتلهم السياسية ومصالحهم الخاصة، وتساءلنا هل النواب المنتخبون ديمقراطيا قادرون على أن ينهضوا بدورهم الحقيقي؟ وطالبنا ان يتحول مجلس النواب إلى قوة فاعلة لا ان يكتفي أعضاؤه بالجلوس في مقاعد المتفرجين، بينما تستحوذ المحسوبية وعدم الوضوح و مسك العصا من الوسط واللعب على أكثر من طرف وإشاعة الخطب التي تصب في مصالحهم الخاصة ؟..
السيد الشلاه عليك ان تدرك جيدا أن السياسة هي بناء التجربة الإنسانية في إدارة المجتمعات.. وليست طريقا إلى المنافع والغنائم .. لكن يبدو ان البعض يريد ان يستخدم السياسة لإلغاء السياسة، واستخدام الديمقراطية سلمًا للوصولية لكي يمنعها عن الناس..
حين يغضب الشلاه!!
[post-views]
نشر في: 23 ديسمبر, 2012: 08:00 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...