TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "المكرود" الخطير

"المكرود" الخطير

نشر في: 23 ديسمبر, 2012: 08:00 م

السلطة أو الحكومة عمل من اعمال البشر. وهذا يعني ببساطة انها لا يمكن ان تكون كاملة، وانما لابد ان تكون ناقصة. فهي ككل أعمال البشر قد تقترف الخطأ، ويشوبها الفساد، ويعتريها الضعف، وقد تنزلق لارتكاب الجريمة. هل نختلف على ذلك؟ أليست هذه بديهية؟
وهناك حكومات تكون النواقص فيها أكثر مما في غيرها. فنواقص الحكومات في البلدان المستقرة والديمقراطية والمتقدمة اقل أو أهون نسبيا في العادة من نواقص حكومات البلدان المضطربة والمتأخرة و"الإنتقالية". فحكومة السويد ليست مثل حكومة العراق. هل نختلف على ذلك؟ أليست هذه بديهية أخرى؟
مساوىء الوضع على كل المستويات في العراق كثيرة للغاية، فالخدمات في جميع المجالات رديئة، ونسب الفقر والبطالة كبيرة، والفساد أكبر، والخلافات بين فرقاء "العملية السياسية"عويصة ومستحكمة وشاملة. هل نختلف على ذلك؟ أليست هذه حقائق؟
مع ذلك فقد تكوَّن لدينا فريق نيابي متخصص بنكران هذه البديهيات والحقائق. لا شغل لديه ولا عمل سوى الدفاع عن الحكومة، وتمجيد كل عمل من أعمالها، وتنزيهه من أي خطأ أو ضعف أو فساد. وهو، فوق ذلك، دفاع غالبا ما يتسم بالحدة والشراسة بل العنجهية. انه يقوم بأداء الدور نفسه الذي كان يقوم به من كنا نسميهم أزلام صدام، بنفس الغيرة، وبنفس الحمية.
والموقف في الحالين واحد: تنكيل بوعي الناس، واستصغار لعقل الناس. انهم يلمعون أقذر الأفعال، ويبررون أسوأ الأعمال. وهذا يحدث عندنا في العراق على نحو لا تجده في بلد عربي آخر، ولا في أي بلد من بلدان المعمورة. على الأقل من الناحية الكمية. فلو عدنا الى عراق صدام لهالنا العدد الذي لا مثيل له في العالم من المطبلين والمتزلفين. تماما مثلما لا نستطيع العثور على نموذج مماثل في أي بلد مجاور أو مباعد لمثل هذا النوع من النواب.
ومثلما كان "أزلام" صدام يشعروننا بالخجل من عراقيتنا التي سمحت بصناعة مثل هذه البضاعة، فان الجماعة الجديدة من النواب والمستشارين تثير فينا نفس المشاعر. فما هذه القسمة العجيبة؟ نظام يسقط على يد أقوى دولة في العالم، ليعقبه نظام آخر يعيد انتاج نفس الشريحة من المتزلفين عديمي الضمائر؟ أين مكمن الضعف في "شخصيتنا" الوطنية الذي يطلع منه هذا الانتاج؟
إن تاريخ "مرد" الشخصية العراقية البعيد والمديد قد يكون سببا، ثم عدم الاستقرار، توتاليتارية البعث، أعوام الحصار، الحرب الطائفية، العنف، قد تكون أسبابا أخرى. وكلها تجعل الفرد وكأنه مدين بمجرد بقائه على قيد الحياة الى قوة أكبر منه، يعمل وكأنه يسرق، يستخرج وثيقة السكن أو شهادة الجنسية وكأنه يربح اليانصيب، يعبر نقطة التفتيش وكأن عمرا جديدا انكتب له، ويلطم وكأنه ارتكب جميع الكبائر.
هذه الأسباب قد تكون وراء انتاج الكائن "المكرود" أو الذليل. وتغير هذه الأسباب، أو وعيها، يحرره من هذا الشرط العقلي والوجداني المأساوي. ولكن علوق هذا الشرط بالكائن وهو في موقع السلطة أو على مقربة منها قد يجعله خطيرا. فقد يحوله الى شخص عدواني من شدة المذلة، قوي من شدة الضعف، وملكي أكثر من الملك. ان شعور "المديونية" يكتنف كيانه اذا نال وظيفة بسيطة، فكيف اذا نال النيابة؟
ترى ألا يمكن اعتبار صدام نفسه نوعا من "المكرود الخطير"؟ وهؤلاء النواب وأمثالهم من المستشارين والمثقفين أليسوا من نفس السلالة؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جائزة الجوائز

عندما يجفُّ دجلة!

العمود الثامن: لماذا خسرت القوى المدنية ؟

الأقليات وإعادة بناء الشرعية السياسية في العراق: من المحاصصة إلى العدالة التعددية

كلاكيت: المدينة والسينما حين يصبح الإسفلت بطلًا

العمود الثامن: لماذا خسرت القوى المدنية ؟

 علي حسين كل أربع سنوات يجلس المواطن العراقي امام الفضائيات ليتفرج على نتيجة السباق إلى قبة البرلمان العراقي . الكل يريد ان يعرف من تقدم على مَن ، ولمن ذهبت اصوات العراقيين ،...
علي حسين

قناديل: جروحٌ في جسد الإغتراب العراقي

 لطفية الدليمي لا أرغب في زيارة بغداد. أقولها كمَنْ يطعن نفسه بعبارة يعرف أنها ستجعله ينزف طويلاً. صحّتي لا تعينني. لن أخاتل في هذا؛ لكنْ حتّى لو أعانتني صحّتي فلا أفكّرُ في الرجوع...
لطفية الدليمي

قناطر: من الخاسر الحقيقي في الانتخابات ؟

طالب عبد العزيز قبل ثلاثة أيام من موعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة كنت في حوار مكتوب مع الشيخ مزاحم التميمي، المهندس البحري والضابط المدرِّس في كلية الأركان، ورجل القانون، وزعيم أكبر قبيلة عربية في الجنوب،...
طالب عبد العزيز

الدبلوماسية العراقية والصراعات والتحول الرقمي

حسن الجنابي أصبحت الولايات المتحدة وحدها اللاعب المهيمن على الساحة الدولية منذ تسعينيات القرن الماضي. لكن العالم يشهد صعود قوى جديدة، أبرزها الصين، التي هي ليست مجرد اقتصاد صاعد، بل مشروع قوة عالمية متكاملة...
حسن الجنابي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram