اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > محطات: فـي الجمعية البغدادية

محطات: فـي الجمعية البغدادية

نشر في: 8 يوليو, 2011: 07:39 م

في أوائل عام 1947 وبعد أن انتهيت من إعادة خدماتي إلى دائرة السينما والمسرح التفّ حولي عدد من خريجي معهد الفنون الجميلة وأكاديمية الفنون الجميلة العليا واتفقنا على ان نستمر في نشاطنا بتقديم تمثيليات تلفزيونية وعروض مسرحية بمعزل عن أية جهة حكومية، وصادف أن اتصل بي الأديب الراحل(جبرا إبراهيم جبرا) يحثني على ممارسة النشاط المسرحي في الجمعية البغدادية- وهي جمعية ثقافية يقع مقرها في منطقة الصليخ سميت بعدئذ(جمعية التراث)، ولا أدري هل ما زالت على قيد الحياة أم لا.
 وكان جبرا أحد أعضاء هيئتها الإدارية إلى جانب المعماري الشهير (رفعة الجادرجي). وكانت النية ان تدخل الجمعية في منافسة مع جمعية الهلال الأحمر- الفرع النسائي في مجال إنتاج تقديم عروض مسرحية بعد أن لمسوا نجاح (سهام صائب شوكة) في هذا المضمار، وقد كان قد تعلّم في إحدى جامعات إنكلترا وأحب الفن المسرحي.كان أول عمل مسرحي نقدمه في الجمعية البغدادية مسرحية جان جينيه (رقابة عليا). وكنت قد ترجمتها الى العربية وسميتها (في انتظار الموت) (Death Watck)، وبعد ان شاركت في تمثيل احد أدوارها عندما كنت أدرس التمثيل في (الأكاديمية الملكية لفنون الدراما- لندن). وهنا بودي أن استذكر ما حدث عندما سجلنا المسرحية تلفزيونياً لغرض التدريب على التمثيل أمام الكاميرا. كان عليّ في المشهد الأخير من المسرحية أن أقوم بخنق الممثل الذي مثّل شخصية المجرم الأصغر سناً عند عراكهما حول الوصول الى زنزانة السجين الأكبر الذي يقبع في إحدى زنزانات السجن الانفرادي،محاولاً تمثيله والاقتداء به والإحلال بمحله في الجريمة.كان الكاتب الفرنسي العبثي يريد أن يتخذ من الشر والإجرام والموت طريقاً للخلاص، وبعد انتهاء المشهد والمسرحية ككل لاحظت ان الكادر الفني الموجودين في الأستوديو يضحكون، وعندما سألتهم عن سبب الضحك أجابوني بأنك قد كنت تبالغ كثيراً في تعبير الوجه وأنت تقوم بفعل الخنق، وأدركت منذ ذلك الحين أنّ على الممثل الذي يقف أمام الكاميرا التلفزيونية، إلاّ يبالغ في تعبيره وأن يكون طبيعياً في أدائه الصوتي والحركي.أذكر عندما كنا نمثل أدوار مسرحية جينيه بوقتها لم أكن أعرف شيئاً عن مسرح ذلك الكاتب وغيره من كتّاب مسرح اللامعقول، كنا جدّ منفعلين وبأشد حالات التوتر، هكذا فهمنا ما يجب ان يكون أسلوب الأداء لاحظنا أن عدداً من المتفرجين ومنهم أعضاء الهيئة الإدارية للجمعية وكانوا يحملون في أيديهم كؤوس الويسكي قد وضعوها جانباً مندهشين.وذكر أن جميع مشاهد العرض قد أشاد به، وعندما قدمنا بعد مسرحية جينيه مسرحية ساموئيل ببكيت المشهورة (في انتظار غودو)، وترجمة جبرا إبراهيم جبرا إلى اللهجة العراقية لم نستطع أنا والمجموعة أن نفهم تلك المسرحية وشخوصها وأحداثها ومعنى مضمونها في بادئ الأمر، ولكن بعد قراءات عديدة توصلنا إلى أن كاتبها قد رصد حياة الكثير من الذين يعيشون على الهامش في المجتمعات الرأس مالية فأصبحوا مشردين يتخذون من الأرصفة مقراً لسكناهم ومن حاويات القمامة مصدراً لمعيشتهم، وأدركنا إنها يمكن أن تتحول إلى مكان يسمى (الكوميديا السوداء) والتي تتعمد على المثل المشهور (شر البلية ما يضحك)، وكانت هناك إشادة قوية بالعرض من الجمهور، وقد قارن احدهم بينه وبين العرض الذي شاهده في لندن للمسرحية مترجماً عرضنا، وخرج أحد الكتاب عن الإجماع موجهاً لومه إلينا حول استخدام اللهجة وترجيح الأسلوب الكوميدي، بينما أقرّ الآخرون صلاحية اللهجة لشخوص المسرحية وتناسب الكوميديا السوداء.شجعنا نجاح المسرحيتين على الاستمرار بالعمل وقدمنا مسرحية أعدها الراحل جعفر علي عن نص أجنبي وعنوانها (زهرة والسلطان) وقدمنا مسرحية شريدان (مدرسة النميمة) وسميناها (مدرسة التشبه) وباللهجة نفسها أيضاً ومعها قدمنا مسرحية صينية عنوانها (العرس الموعود ثلاثاً) وباللهجة نفسها أيضاً، وعرضت المسرحيتان الأخيرتان في مسرح صيني شيدناه في حدائق الجمعية. وقد استطعنا ومن الجدير بالذكر ان المخرج الراحل (عوني كرومي) كان قد مثل دور (الصبي) في مسرحية (في انتظار غودو)، وكانت تلك أول مشاركة له في عمل مسرحي في بغداد، ومن الجدير بالذكر أيضاً إننا وبناءً على نجاح المسرحية بالجمعية البغدادية قررنا في فرقة المسرح الحديث ان نعيد إنتاجها في مسرح بغداد في عام 1970 ، وقد قمت أنا نفسي بتمثيل دور(بوزو) هذه المرة واستمر عرضها لمدة أسبوع ولم تحظ بالنجاح نفسه الذي حققته في المرة الأولى، ولذلك أسباب منها:إن نوعية الجمهور قد اختلفت ومنها ان العرض فقد حيويته وبات ميكانيكياً هذه المرة ومنها إنني لم أوفق في تمثيل الدور كما وفّق (روميو يوسف) الذي غاب عنا بسبب التحاقه بزمالة دراسية في رومانيا ومنها أخيراً صفة الاصطناع التي اتصف بها الديكور الذي صممه (فاضل السوداني) حيث استبدل الشجرة الجرداء الصغيرة بشجرة كبيرة لها أغصان أشبه بعقربي الساعة محملاً تلك المفردة الديكورية دلالة لم يستوعبها المتفرج العادي.وهنا لابد لي من تعليق فأقول: راح الكثير من المخرجين الجدد في العراق يستخدمون علامات معينة يحملّونها مدلولات لا تصل إلى المتلقين ويبقى فهمها محصوراً بمنتجيها وكأنهم يريدون أن يثبتوا المقولة الشائعة (المعنى في قلب الشاعر)، فتراهم مثلاً يحرّكون ممثليهم حركات لا مبرر واضح لها أو يستخدمون مفردات ديكورية تجريدية يصعب تفسير دلالاتها، صحيح إن العرض المسرحي شبكة من العلامات ولكن لا بد من ان تحيل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تركيا.. إقرار قانون لجمع الكلاب الضالة

تقليص قائمة المرشحين لخوض الانتخابات مع كامالا هاريس

وزير التعليم يخول الجامعات بمعالجة الحالات الحرجة في الامتحان التنافسي للدراسات العليا

اليوم..مواجهة مصيرية لمنتخبي العراق والمغرب

تعرف على الأطعمة التي تحفز نشوء الحصى في الكلى

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram