عبد الستار ياسين أحمد
إن الأمة الجاهلة، كالإنسان الأصم والأبكم والأعمى، لا تسمع ما يقال ولا تبصر ما قد قيل، فهي بمعزل عن الدنيا وأحوالها وعن مجريات النهوض وتيارات الرقي، تقتنع من الحياة بالأكل والشرب والنوم. فالأمية مرض خطير ينهش أرواح الشعوب ويبقيها أسيرات الظلمة المدمرة، وهي كظاهرة التصحر، كلما أهملت تفاقمت مشاكلها وما تسببها من ضرر للبيئة والمجتمع، ولا يمكن إقامة دولة عصرية لمجتمع ما ربع سكانه أميون.
مشكلة الأمية، لم تعد مشكلة تعليمية بحد ذاتها، بل هي مشكلة ذات تبعات اقتصادية واجتماعية خطيرة في احتضان التخلف والجهل والفقر والبطالة. والمقصود بالأمية حسب تعريف منظمة ( اليونسكو ) لسنة 1958، "الأمي هو ذلك الشخص الذي لا يستطيع أن يقرأ أو يكتب بياناً بسيطاً وموجزاً عن حياته اليومية، ويعد أمياً كل من تجاوز عمره سن القبول بالمدارس الابتدائية ولم يلتحق بها، ولا توجد لديه المهارات الأساسية للتعلم التي تمكنه من القراءة والكتابة"، وهناك تعريف آخر: "الشخص الذي يعجز عن التواصل مع غيره، خارج الخطاب الشفوي"، فالأمية بصورة عامة هي صفة لكل فرد يجهل معرفة الأشياء ومسمياتها والرموز والحروف وكتابتها وأشكالها ودلالاتها.
وقد كشفت وزارة التخطيط في عام 2011 أن شباب العراق من الذكور والإناث يعاني من الأمية بنسبة محزنه تصل إلى حوالي 40%، في حين أعلن العراق في عام 1990 خلوه من الأمية بناءً على تقارير وزارتي التخطيط والتربية ومنظمة اليونسكو آنذاك، وإذا بحثنا عن أسباب ارتفاع نسبة الأمية خلال العقدين الأخيرين من الزمن لوجدنا الأسباب الآتية:
عجز النظام التعليمي عن استيعاب جميع الأطفال الذين هم في سن التعليم الابتدائي، وذلك بسبب ازدياد نمو السكان السريع من ناحية وقلة الموارد المالية لإنشاء عدد كافٍ من المدارس، وعدم كفاءة الكادر التدريسي في معاملتهم مع الأطفال وخاصة عن طريق استخدام القسوة والضرب، مما يدفع بالطلاب إلى ترك المدرسة. الوضع الأمني القلق. والوضع الاقتصادي للعائلة العراقية مما يدفع بالكثير من الأطفال لترك الدراسة والعمل للمساعدة في إعالة عوائلهم أو إعالتها بالكامل.
ضعف مستوى الأسرة الثقافي والتربوي، وقد دلت بعض الدراسات إن لوجود أفراد الأسرة غير المتعلمين صلة كبيرة في ظاهرة الإهدار والتسرب. عدم تكيف التلميذ (في الصفوف الأولى من الدراسة) على بيئة المدرسة لارتباطه بالأسرة.
الرسوب عامل مهم ورئيسي مرتبط بالتسرب، ويعود الرسوب إلى عدة عوامل مختلفة أهمها؛ عدم كفاءة المعلمين في إيصال المادة التعليمية إلى الطالب، واللامبالاة بالتعليم، ونظام الامتحانات، كذلك عدم جدية التلاميذ في الدراسة، وكثرة أعدادهم في الصف، وبعد المدرسة عن محل سكناهم. وكثير من المدارس أبنيتها قديمة ومزدحمة بالطلاب وعدم توفر الخدمات فيها.
والوضع السياسي القلق من أهم الأسباب التي يتأثر بها المجتمع العراقي، ومن ثم الأسرة والفرد. ونحن نعلم ما مر به العراق ومازال من أزمات أثرت على الساحة السياسية من عدم اقتراب الرؤى بين القوى السياسية التي تحكم البلد، مما أدى إلى تأخر وتعثر القوانين والقرارات المهمة التي تخص جميع مجالات الحياة.
ولا شك أن محاربة الأمية تنمي الوعي لدى الفرد بأهمية الانتماء الوطني، ويستطيع الفرد المتعلم الحصول على المعلومات التي تساعده على الانتفاع من التقدم العلمي المعاصر بما يساعده على محو أميته الحضارية، واكتساب التكوينات المعرفية التي ترفع مستوى إنتاجه وتحسن ظروف معيشته.
يجب سن وتشريع قوانين لمكافحة الأمية وتشكيل لجان متخصصة لدراسة ظاهرة التسرب التي تشهدها المدارس وتحديد أسبابها وسبل معالجتها ،و معالجة النواقص التي تعانيها المدارس لكافة المراحل في ما يتعلق بالبيانات وتعيين كادر تعليمي متخصص ذي كفاءة عالية في التعامل مع الطلبة، وبالأخص في مراحل التدريس الأولية، من حيث العدد والمضمون.كما يجب أن تشرك العائلة في المتابعة والتعليم والمراقبة والإسهام في معالجة المعوقات التي يواجهها أبناؤهم أو إدارات المدارس أيضاً. وأن يكون للإعلام دوره الحضاري والواضح في معالجة هذه الظاهرة.