علي حسين عبيد
الهدف من نضال المفكرين والفلاسفة والسياسيين النموذجيين، هو تعليم الشعوب كيف تحكم نفسها وفق نظام استشاري ديمقراطي شفاف، فقد فسّر العلماء، والكتاب المعنيون، في مدنهم الفاضلة وغيرها، حرية الشعب، بأنها نوع من أنواع حكم الذات الجمعية لنفسها، وإدارة شؤونها السياسية وغيرها، كما ترغب هي، لا كما يرغب حكامها، ثم جاء مصطلح الديمقراطية، ليعني حكم الشعب نفسه بنفسه.
وقد استلهمت الشعوب الغربية، هذا المفهوم معنى ومضمونا، واستطاعت أن ترسّخ مفهوم حكم الشعب المباشر لنفسه، وأن تجعله سائدا كمنهج حياة، بعد أن قدّمت ما يلزم من تضحيات جسام لتحقيق هذا الهدف . إن الشعوب الأقل وعيا، ظلّت أسيرة أوهام النضال والمناضلين وأحلامهم، وبقيت تتطلع إلى الحاكم المنقذ، الذي يحل لها إشكاليات الحياة العديدة، ويرتفع بها من حضيض الفقر، والجهل، والمرض، إلى سموّ الحياة الحرة الكريمة المرفّهة، وقد خاضت هذه الشعوب، معارك ضارية مع الأدلجة السياسية، لتصل في نهاية المطاف، إلى نتيجة الصفر أو ما دونه، حيث تحوّل في الغالب الأعم، مناضلوها الموهومون الحالمون (قبل تسلم السلطة)، إلى قادة أجلاف متسلطين، تنكروا لأيام النضال، وأهداف الشعوب وغاياتها، وغاصوا حدّ التشبّع والعماء، في لذائذ السلطة، وسحرها والشغف بها، فتحوّلوا ليصبحوا وحوشا على هيئة بشر.، وفي رحلة مضنية، وطويلة مع الطغاة، العتاة من الحكام (الذين كانوا مناضلين قبل تسلم السلطة)، وجدت الشعوب العربية الإسلامية نفسها خالية الوفاض، مهمشة، مدمّرة، ومعزولة عن إنسانيتها تماما، وتحيط بها أدران الفشل، والجهل، والموت من جميع الجهات، وهذا ما حدث في معظم دول وشعوب الشرق الأوسط، ومنها وأبرزها الدول العربية والإسلامية.
وهكذا تحوّل المناضلون سابقا، إلى حكام طغاة، وفقدت شعوبهم تطلعاتها وأمنياتها، بحياة تليق بكرامة الإنسان، وأخيرا وصلت هذه الشعوب مع حكامها إلى آخر المطاف، وأيقنت أن الحاكم حتى لو تدرّج على مصاعب ومهالك وتضحيات النضال، صعودا إلى السلطة، فإنه نتيجة لسحر السلطة نفسها من جهة، وضعف التحكم بنوازع النفس ورغباتها من جهة أخرى، سيتحول المناضل سابقا، الحاكم راهنا، إلى ذات أنانية سلطوية مغلقة، لا ترى سوى منافعها ومصالح حاشيتها وذويها، فتسعى حثيثا لتحقيقها على حساب الشعب، وحقوقه، وثرواته، وحرياته أيضا، وهذه الخطوات المتتالية حدثت في معظم الشعوب العربية، والإسلامية، التي جاء حكامها لها كثائرين محررين، ليصبحوا بعد تأثير السلطة عليهم طغاة متجبرين، وهذا ما يحدث حاليا في معظم دول الشرق العربي الإسلامي، فقد يئست هذه الشعوب من مناضليها، ومخلّصيها، وثوارها، عندما أصبحوا حكاما، وسلمتهم الشعوب زمام أمورها، وقيادتها، ليصبحوا لعنة عليها، حيث الاختلاس، والسرقة، والاستحواذ على أموال الشعوب، وثرواتها، يضاعف من أرصدة الحكام، وذويهم، وحاشياتهم، ويزيد من أطيانهم وضيعاتهم، وحاليا يخوتهم ومنتجعاتهم وفللهم، في أوروبا وأمريكا وسواها، وكل هذه السرقات تتم على حساب الفقراء، يرافقها قهر، وقمع، وتقتيل، وتشريد متواصل لشبابها خاصة، ولكل من يحاول رفع صوته والاعتراض على حكامه، والمطالبة بحقوقه، حتى وصل السيل الزبى، وأيقنت هذه الشعوب أن حكامها مرضى بحب السلطة، وأذلاّء لسحرها وامتيازاتها، فهم من اجل البقاء على كرسي العرش، والتمتع بنعيمه، يتمتعون بقدرات قمعية مذهلة، تعمي بصائرهم وأبصارهم معا، وهذا ما يحدث الآن تحديدا في ليبيا القذافي، الذي لا يريد أن يصدّق بأن شعبه لم يعد يقبله حاكما عليه، وهو يريد أن يحكم نفسه بنفسه، فحلّت به هيستيريا السلطة، ليضاعف القمع، والقتل الذي وصل إلى حد القصف بالطائرات والصواريخ والمدفعية لمعارضيه، لهذا لابد أن يفهم هؤلاء الحكام، في الدول العربية والإسلامية، أن شعوبهم لم تعد تقبل بحكم الحاكم المتسلط، الذي لا يرى سوى مصالحه، ولا يهتم إلا بما يرضي معيّته، ومسانديه، وهذا ما يثير الآن غضب الشارع العربي الإسلامي، فيدفع بالمتظاهرين إلى عزل حكامهم، وهو ما يحدث في دول عديدة، مثل اليمن، والبحرين، والجزائر، وعمان، وإيران، والعراق، والأردن وغيرها.
وأخيرا لقد وصلت هذه الشعوب إلى قناعة تامة، بأنها يجب أن تتحرك لكي تحكم نفسها بنفسها، من خلال تركيز النهج السياسي الديمقراطي التحرري في بلدانها، وإذا أراد الحكام أن يفهموا سر البقاء في السلطة بعد اليوم، فعليهم أن يصبحوا جزءا من الشعب، وينتموا إليه بصدق وفعل حقيقي، يؤكد أنهم يحرصون أولا على مصالح الشعب، وحقوقه، قبل أن يحرصوا على منافعهم، وسيتم لهم هذا إذا تغلبوا على سحر السلطة، وبعكسه فإن الدور سيطول الحكام الآخرين الذين سيتساقطون تباعا، ليلحقوا بمن سبقهم من الساقطين.