شاعرة تطلب من الآخر أن يضع رأسه في طبق من ذهب ,, تنساب مبحرة فوق جسد القصيدة بتأنٍ وهدوء , لكن ما أن نغور معها حتى نجد أنفسنا في فخ الضجة .. إنها الشاعرة فيوليت أبو الجلد .. تحط في بغداد هذه الأيام .. مرحبا ..
* كثر الشعراء وشح الشعر .. هل سنكفن الشعر بالكلمات بعيدا عن المعنى ....؟
-الزمان كفيل بالغربلة والإبقاء على الصالح ونبذ كل ما هو غير خليق بالبقاء، الشوكة تنمو جنبا إلى جنب مع البنفسجة ، فلماذا لا تتسع صدورنا ؟في النهاية لن يبقى إلا ما هو مفيد لنمو الإنسان وتفتحه ، المهم أن لا نقع في الجمود لأن الجمود موت .
* الجسد هو مرتعك الأثير , يقترب من الايروتك .. دفاعا عن أنثاك ؟ تحد وإعلان وجود ؟ نكاية بالآخر أم اجتذاب ؟
-أنا طبيعية بكل بساطة ، إنسان سويّ ، لست ملاكا ولست شيطانا ، في الشعر كما في الرقص ، يتوحد الشياطين بالملائكة كما يقول زوربا. كل شاعر هو راقص فاشل يعوض بالحبر ما لا يستطيع أن يعبر عنه بالرقص . لكن الشاعر الحقيقي هو من يستطيع أن يدخل الروح إلى الحلبة لتمارس الرقص على وقع الكلمات . أنا في القصيدة أبحث عن رجل لا يأتي ، وأحلم بفارس ينتظر جوادا ذا أجنحة ، وأرفض قانون الفناء المتمثل في موت الشعور قبل موت الجسد .. في موت العلاقة قبل موت الشخص تمهيدا للاتحاد بنبض الوجود ، والتماهي في الذات الكلية لننتشل خشبة أجسادنا من الطين رافعين إياها إلى ملكوت السماء.
لا أحد ينفصل عن جسده حين يكتب ،وبالتالي الحسية العالية ليست سوى جزء لا يتجزأ من كيان إنساني جميل .
ولا يمكن أن يكون اجتذابا لأني حين أكتب أشعر كأني أخرج مني، أتحول إلى نسمة بعد كوني عاصفة، أتلاشى لأتجدد، كأني نسيت كل شيء وتذكرت فقط ما يلزم .
في ذمة الشاعرة ألف قتيل
في نصها ألفان ،
فإذا قامت إلى لغتها
تبرأت من ذنوبها
ونفضت عن أصابعها
كل ما قد قيل.
* بيروت لقبت بست الدنيا .. منذ الـ 75 أجدها مغناجاً مثل كارمن , الكل يريدها له ,, لمن ستكون الطعنة الفاصلة ؟
-بيروت ليست قصيدة حب فحسب ، هي الحب بكل ما يمكن أن تختزله كلمة حب ، لم يمر أحد من هنا إلا ووقع في غرام هذه الجبال والوديان ، هذا البحر الساحر الممتد ، حتى ناسها رغم كل خلافاتهم هم طيبون يسهل التعامل معهم ، ثمة عذوبة غريبة تلمسها إذا عبرت لبنان ، ولا يمكن أن تغادر إلا وقد أصابك شيء منها . ليس غريبا أن يريدها الجميع ، الغريب والموجع أن لا يقدرها أبناؤها وأن لا يعرفوا أنها الأم التي لن تتكرر إذا خسرناها ، بيروت لا يمكن أن تكون سوى فيروز ولنا عبرها ومعها وبها .
* حتى أعتى الشعراء يعتبر الشعر فن رجال ,, ثقافة عالمية .. هل يوخزك هذا ؟
-إذا كان الشعر فن رجال فالحرب فن من؟!
في كل شعر شيء من الأنوثة، حتى في أروع لمعات القصائد لكبار الشعراء شيء أنثوي، نوع من البوح الرقيق المتغلغل في مسارب الإبداع... الشاعرات برأيي اثبتن وجودهن والعراقيل التي كانت تواجههن وتشغلهن كالتعلم وحرية العمل الاجتماعي والسياسي قد زالت جميعها تقريبا ، وبدأت تبرز وجوه ومواهب جميلة ،لا شيء يعوق المرأة على الإطلاق لتنافس الرجل ما دام لها عمق الشعور وقوة الخيال ورهافة الذوق. وبتقديري أنها ستكون وحدها صانعة السلام إذا كان هناك أمل لسلام يوماً ما.
لا يوخزني ، لهم كتبت :
يموت الرجال في الحرب، يموتون في الحب
يموتون في القلب
يموتون في نص قصير... قصير
من كلمتين وهاوية.
- الجسد مقموع في وجوده ,, مقدس في رحيله .. أين أنت من هذا ؟
-أنا في هذا النص :
أشهد أني تماديتُ حباً
حتى تلبّسَني جنّيّ الغرام
راهنتُ بكلّي على دائرة الولهِ التي تدورُ حول جراحها
شربتُ الفتنة من شفاه بعيدة
كأن المياه القريبة لا تشفي
كأن المستحيل وحده يشكل نصا
سأكتب عنك لتصير أنت المسافة
سأكتب لك لأصير أنا الوقت
سأرقص حولي
فالمطر يباغتني
حين أعانق في المرآة غلالة تتفتح على ثلج يشتعل
كلما انهدل الشعر الخمري من تعبٍ
سأرقص حولي حتى يحين جنونك
سأشهد أني تماديت رقصا .
* الماء يتدفق من قصائدك ، ما الذي دفعكِ إلى كل هذا؟ الطفولة ، الصبا ، الحب، أم خارج السرب ؟
-مياه الحب شربَتني ...
* ما الذي يقلقك في هذا الكون ؟
-ضوضاء العالم تؤذي ألحانا تتوالد ...تتوارد ...تتوالى بي،
الحروب تجرّح بياض يديّ تلبسني حلّة الخائفين،
أنا المرعوبة من حزن يخطف طفلا من ابتسامته،
من موتٍ يغلب أمّا ، من وداع يحرس الأحبة بهشاشة المناجاة والتمني.
أحياناً أكتب فأكتشف ، فجأة ، أني قلقة من خلال النص ، ما نكتبه يقولنا بعمق يفوق وعيَنا وإدراكنا.
إنسانيتنا في خطر ، الطبيعة في خطر، يستعبدنا ما صنعناه بأنفسنا ، نمجّد الأشياء على حساب أرواحنا ...
يقلقني أننا نفقد البراءة ، حتى عند الأطفال ،في زمن استهلاكي ومادي بامتياز. يقلقني أن
كل الذين أحببتهم سالت جروحهم على ابتسامتي ومضوا،إنهم تشابهوا حتى في موتهم.
* أيهما أمثل إليك ، أن تكتبي الشعر أم تلقيه ؟
-أنعزلُ في إيقـاعِي في سكـينـتي ، أعيدُ صيـاغتـي توقظنـي اللغـةُ ،يتحايَلُ عليّ المجـاز .هكذا أعيش الشعر في علاقة حميمة جدا وخاصة ودافئة ، الإلقاء يأتي مكملا ،رغم أهميته إلا أني لم أفهم يوما، كيف يقال لنا بأن نعيش النص ونحن نلقيه كما لو أننا نعيد كتابته ، الولادة تكون لمرة واحدة بأوجاعها وصراخها ، بعدها يصير للنص كيانه الخاص ،ننقسم عنه ليعيش تأويلاته وأبعاده . برأيي الإلقاء مهمة ممثل قدير ،الشاعر رفيق العتمة ، أضواء المسارح تخدش عينيه والتصفيق يجرّح ثورته و سكينته.
جميع التعليقات 1
Adel Damin
من الشاعرات القلائل التى لا تنكر مكانة الرجل داخل المرأة..ولا تندب حظوظها... و تصف بجرأة مشاعرها....بطريقة سورياليه مبدعه..