TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > حضور النموذج العراقي فـي الربيع العربي

حضور النموذج العراقي فـي الربيع العربي

نشر في: 10 يوليو, 2011: 07:26 م

علاء خالد غزالة قال أحد المشاركين في برنامج حواري بث على إحدى القنوات الفضائية العربية ان شرارة "الربيع العربي" انطلقت من العراق، فقاطعه المذيع بالقول "ان شرارة الربيع العربي انطلقت من تونس، من حادثة ابو عزيزي وما تلاها من احداث في الشارع التونسي". فخطر لي سؤال: لماذا لم تنطلق شرارة الربيع العربي من العراق؟
والحقيقة ان لا احد تقريبا يشير الى تجربة العراق المريرة في عام 1991، عندما انتفض الشعب العراقي من شماله الى جنوبه ضد حكم الطغيان الصدامي الذي أذاقه الأمرين من حروب طاحنة ومغامرات غير محسوبة ادت الى فقدان مئات الآلاف من الأرواح البريئة، إضافة الى تفرد "القائد الضرورة" بالسطة واسكاته كل معارضة بطرق وحشية، ليس اقلها الحرمان من بركات النظام، وليس اكثرها الترحيل والسجن والتغييب والاعدام، مرورا بأساليب التحقيق المروعة في زنزانات اجهزة الامن التابعة للنظام.خرج الشعب في ثورة غير مسبوقة في العالم العربي على حاكم جائر بعد ان ادت مغامرته في الكويت الى تحطيم البلاد ماديا ومعنويا نتيجة الهزيمة المذلة التي وضعها فيها النظام، وما رافقها من بوادر للعزلة الدولية التي سوف تستمر الى حين سقوط النظام بعد اثنتي عشرة سنة من تلك الثورة الشعبية. ثورة بدأها جندي في البصرة بان صوب ماسورة دبابته في وضح النهار الى صورة كبيرة لـ"القائد الرمز" ودمرها بقذيفة ربما تكون آخر ما بقي لديه من ذخيرة، وهو ما لم يجرؤ عليه من قبل أي مواطن عراقي. وفجأة تحطم حاجز الخوف، وسرعان ما تهاوت اركان النظام في معظم انحاء العراق، من الشمال الى الجنوب، مرورا بضواحي بغداد، وباتت البلاد تعيش اجواء الثورة. لم تكن تلك الثورة سبباً لانهيار النظام الصدامي، ولم تصبح مثالا لشعوب المنطقة العربية التي ترزح تحت انظمة شمولية مماثلة. بل ان تلك الانتفاضة ربما ادت في الواقع الى تأخير الربيع العربي عشرين عاما اخرى. حينما رأت الشعوب العربية مقدار القمع الذي مارسه النظام على الشعب الذي تجرأ على رفع صوته في وجهه. ربما تكون الشعوب العربية قد وضعت في حساباتها ان انظمتها الحاكمة لن تكون أفضل في تعاملها مع مثل هذه الحركات من النظام الصدامي. لكن سقوط النظام في العراق عام 2003 على ايدي قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، وما تلاه من تحرر نسبي للعراقيين على مستويات عدة، بدءاً من حرية التعبير عن الرأي، الى المشاركة في صنع القرار عن طريق الانتخابات البرلمانية والمحلية، كل هذا لم يكن هو الآخر سبباً مباشراً في تحريك الشارع العربي للمطالبة بالمزيد من الحريات وتحسين اوضاعها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ومرة اخرى يطرح السؤال نفسه، لماذا لم يصبح العراق مثالاً للشعوب العربية؟قد يكون الجواب على ذلك سهلا، نظراً لأن العراق مرّ بفترات مظلمة بعد الغزو الاميركي وعانى من تفشي الارهاب وتدني مستوى الامن وسيطرة بعض العصابات على مقدرات الدولة وحتى التمكن من الوصول الى هرم السلطة والتأثير على عملية صنع القرار. كذلك شهد العراق شيوع الفساد الاداري في كافة مفاصل الدولة حتى صار أمثولة في التقارير الدولية، التي لاشك ان المثقفين العرب، وحتى رجل الشارع، قد اطلعوا عليها وربطوها برد فعل انعكاسي بالتحرر والتخلص من نظام الاستبداد الشمولي. وربما ساورت الشعوب العربية المضطهدة الشكوك بانها قد لا تكون افضل حالا إن أزاحت جلاديها عن سدة الحكم. ومرة اخرى، قد تكون الاحداث في العراق بعد 2003 قد مدّت من عمر الحكام العرب المتسلطين على رقاب شعوبهم. لم يصبح العراق مثالا لهم لانه لم يكن يعط صورة المثال المطلوبة من بين الفوضى العارمة التي اعترته، رغم ان التغيير في العراق قد احدث نقلة هائلة في حياة الشعب العراق، من الناحيتين السياسية والاقتصادية على الاقل. لكن الفشل في كبح جماح الفتن على المستوى الاجتماعي، والذي اثارته المطاحنات السياسية، قد أفضى الى تصوير العراق على انه بلد لا يمكن ان تحكمه إلا دكتاتورية قادرة على التعالي على الخلافات الطائفية والعرقية، شأنه في ذلك شأن بقية شعوب المنطقة.على كل حال، فان الانتفاضات العربية قد لا تكون "ثورات" مجيدة بكل معنى الكلمة، ولكنها بكل تأكيد حركات بوجه الطغيان استقت مدها بعيدا عن تجربة العراق، وان كانت تسعى حقيقة الى ان تصبح مثله في اقل تقدير. ربما تكون اركان الحكومة قد سهلت عملية ازاحة زين العابدين بن علي عن السلطة في تونس، وقد يكون دور الجيش المصري اكبر مما يبدو في دعم انتفاضة ساحة التحرير واجبار حسني مبارك على التنحي. لكن ذلك لا يقلل من شأن الرجال والنساء الذين تجرأوا على التجمع والتظاهر ومقارعة اجهزة هذه النظم القمعية التي لا تعرف الرحمة في تعاملها مع مثل هذا الوضع. وفي اليمن لا يزال مئات الآلاف من المتظاهرين يملأون الشوارع والساحات مطالبين بتنحي علي عبد الله صالح عن الحكم، والتحول الى نظام ديمقراطي حقيقي يقوم على حرية التعبير والتعددية ويحارب الفساد ويوفر الخدمات لشعبه ويعمر مدنه ويقوده الى الرخاء والازدهار. لا اشك ان الثورة في اليمن سوف تنجح في نيل مسعاها على الرغم من تمسك الرئيس ببراثن السلطة الى آخر يوم، ولجوئه إلى أساليب أصبحت بالية في زمن التواصل الفوري الذي نعيش

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram