حسين عبدالرازقبعد «وثيقة المبادئ والحقوق الأساسية» التي أعدها وأعلنها د. محمد البرادعي والتي تتناول المبادئ الأساسية للدولة والحقوق الأساسية للمواطنين المفترض الالتزام بها واحترامها في أي دستور قادم، أعلنت أحزاب «التحالف الديمقراطي من أجل مصر» - 28 حزبا - وثيقة التوافق على المبادئ التي تراعى في الدستور الجديد لمصر.
وتشمل الوثيقة الجديدة 9 بنود تحت عنوان «في مجال بناء الإنسان والقيم الأساسية للمجتمع»، و9 بنود أيضا في فصل خاص بالنظام السياسي والحريات العامة، و4 بنود خاصة بالقضاء، و7 بنود تحت عنوان «في المجال الاقتصادي» و10 بنود «في المجال الاجتماعي»، ثم 6 بنود في السياسة الخارجية، وتحتاج كل بنود الوثيقة بأبوابها الستة وبنودها الخمسة والأربعون لحوار ونقاش تفصيلي، لأهمية الأحزاب والقوى التي أصدرتها وأهمية المبادئ والحقوق الواردة فيها، وهو ما لا تتسع له هذه المساحة، ولذا فسأكتفي بعدد محدود من الملاحظات حول الفصلين الأول والثاني.لقد خلت الوثيقة - وكذلك وثيقة البرادعي - إلى أي إشارة لمدنية الدولة، رغم أن الحوار بين الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني والحركات الاحتجاجية في الأشهر الماضية كان يشير إلى الاتفاق على ضرورة تأسيس «دولة مدنية ديمقراطية حديثة» في مصر، كما أن «الدولة المدنية» كانت أحد أبرز شعارات ثورة 25 يناير.والدولة المدنية هي الدولة التي تقوم على مبدأ المواطنة الكاملة وتحقيق المساواة بين المواطنين جميعا في الحقوق والواجبات وعدم التفرقة بينهم بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو العقيدة أو المذهب أو الانتماء السياسي والحزبي، وينظم العلاقات فيها دستور مدني يضعه الشعب، وتتحقق فيها حرية إنشاء الأحزاب والنقابات، وحقوق التجمع والتنظيم، وحرية ممارسة الشعائر الدينية واحترام الأديان جميعا، وعدم الخلط بين السياسة والدين، وتكون القوات المسلحة مسؤولة عن استقلال وسلامة الوطن وأرضه ولا تتدخل في الشؤون السياسية.وقد يجد البعض في بنود وثيقة التحالف الديمقراطي ما يحقق هذا التعريف للدولة المدنية من خلال البنود العديدة الواردة في الفصلين الأول والثاني، إلا أن البند الأول من الفصل الأول هو الذي يثير القلق من غياب نص صريح علي مدنية الدولة، فقد تم نقل المادة الثانية من دستور 1971 والتي تقول «الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع» وأضيف إليها «مع حق غير المسلمين في الاحتكام إلي شرائعهم في أحوالهم الشخصية»، والإضافة الأخيرة تحصيل حاصل ولا تحل المشكلة.فمشكلة النص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع تنطوي علي تمييز ضد غير المسلمين، ويستند إليها في الممارسة بعض دعاة الفرقة والفتنة الطائفية، وتتعارض مع عديد من المواد الواردة في وثيقة البرادعي ووثيقة التحالف الديمقراطي والتي تنص على حقوق المواطنة والمساواة بين المواطنين، ومع الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والاتفاقات الدولية التي صدقت عليها مصر، ومع الحقوق والحريات العامة والتي يقول عنها أساتذة القانون الدستوري «إنها حقوق طبيعية تنبع من طبيعة الإنسان وتعيش معه وبه».ومنذ أيام أعلن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان و26 من منظمات حقوق الإنسان ما أسموه «بردية الأحكام الأساسية في الدستور» وجاء في الفقرة الثانية من المادة الأولى لهذه الأحكام «يكفل الدستور تنوع مصادر التشريع، بما يعكس الروافد المتنوعة للهوية الوطنية ويساعد على تعزيز الوحدة الوطنية، وعدم فرض تشريعات تنظم حياة المواطنين في المجال الخاص بشكل يتناقض مع معتقداتهم، أو تنظيم المجالين العام والخاص بشكل يتناقض مع ضمانات حقوق الإنسان والحريات العامة»، وهو نص بالغ الأهمية ويصب في الاتجاه الصحيح، ويؤكد ضرورة أن ينص بوضوح في الدستور القادم على أن مصر «دولة مدنية ديمقراطية حديثة»، وأن يخلو الدستور من أي نصوص تتعارض مع مدنية الدولة.
مدنية الدولة
نشر في: 12 يوليو, 2011: 08:00 م