اللهم انصر راية المؤمنين على القوم الظالمين ، قول يردده العراقيون أيام الأزمات، وعندما يشعرون بأن هناك خطرا يهددهم ، والراية بالنسبة لهم تحمل معاني كثيرة ، فهي بيضاء لمن يريد تحقيق السلم وحسم نزاع وصراع ، ولجميع الدول راياتها أي أعلامها ، بوصفها رمزا وطنيا ، جديرا بالتقديس والاحترام ، وللعشيرة أيضا رايتها الخاصة ، تحتل صدر المضيف.
التظاهرات الاحتجاجية في محافظة الأنبار ضد اعتقال عناصر حماية وزير المالية رافع العيساوي ، شهدت رفع العديد من الرايات ، العلم العراقي القديم بنجماته الثلات والآخر الجديد ، وفي الفلوجة رفع بعض المتظاهرين علم إقليم كردستان ، وهذا ما أثار استياء مسؤولين ، وأعضاء في مجلس النواب ، وقالوا في تصريحاتهم إن بعض المتظاهرين حملوا علم ما يعرف بالجيش العراقي الحر، على الرغم من نفي قادة عسكريين وجود مثل هذا الجيش في الساحة العراقية .
تعدد الرايات أعطى انطباعا ومؤشرا حقيقيا عن وجود أكثر من علم واحد في العراق ، يرفع بحسب المزاج ، والميول ، والعلم الرسمي ، تعتمده الدوائر الحكومة ، وبعض المؤسسات ترفع رايات تحمل معاني دينية ، ولا احد يعترض على وجودها بجوار العلم الرسمي.
مسؤول في الحكومة وصف رفع علم كردستان في مدينة الفلوجة بأنه تأكيد لوجود جهة سياسية تحاول إثارة الشارع ضد الحكومة ، ومحاولة يائسة لإعطاء رسالة خاطئة بأن الشارع قادر على إجبار أصحاب القرار على تغيير مواقفهم ، ونائب أشار إلى أن وجود علم الجيش العراقي الحر ، خطوة باتجاه تنفيذ مخطط تركي سعودي قطري لتكرار التجربة السورية ، وجر البلاد نحو منزلق خطير بإثارة الحرب الطائفية ، والإطاحة بالمشروع الوطني .
"رايتكم سودة مصخمة" يقولها العراقي لكل من يسعى لاستخدام الورقة الطائفية لتحقيق مكاسب سياسية ، في ظل أزمات تتناسل ، وتنعكس تداعياتها على الشارع ، لم تستطع سنوات ما بعد سقوط النظام السابق أن تخلصه من دوافعه المذهبية والطائفية ، فظل مشدودا إلى رموزه وقياداته ، ويستجيب لمواقفها عاطفيا ، متناسيا أن تلبية مطالبه تتحقق بترسيخ الديمقراطية ، وبناء نظام حكم متطور ، وإرساء دولة المؤسسات .
الساحة العراقية ستشهد أزمات أخرى ، بحسب توقعات الساسة ، لأن مجلس النواب معطل وفقد دوره الرقابي والتشريعي ، والصراع بين الأطراف المتنازعة ، مازال مستمرا ، والتلويح بحرب الملفات لأغراض التسقيط يسير بوتيرة متصاعدة ، والدستور سقط بالضربة القاضية بقضية التوافقات والتسويات ، والاتفاق على اعتماد علم واحد للبلاد موضع خلاف وجدل ، كل هذه العوامل وغيرها جعلت المشروع الوطني يتراجع إلى الوراء ، ومحاولات إنقاذه تواجه عقبات كثيرة، مقابل ذلك ، تكشف الوقائع والأحداث عن أن الاصطفاف الطائفي يترسخ يوما بعد آخر ، ووصل إلى المطالبة بتشكيل الأقاليم للتخلص من التهميش والإقصاء ، والانعتاق من الحكومة المركزية ومن يمثلها ، المحنة العراقية أصبحت كبيرة اليوم ، ولا يوجد بين الساسة أو المسؤولين من يحمل الراية البيضاء ، ويبعث برسالة للعراقيين بأن أمنهم بسلام ، ولا خوف من اندلاع احتقان طائفي ، واللهم انصر راية المؤمنين على القوم الكافرين .
ياسيف ياراية
[post-views]
نشر في: 24 ديسمبر, 2012: 08:00 م