رغم أن وزير الإعلام السوري، أعلن أن لا علم لبلاده بزيارة المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي، فإن الرجل وصل إلى دمشق قادماً من لبنان براً، ربما لتعذر وصوله عن طريق مطار دمشق المهدد عسكرياً، ولعل في ذلك كله مؤشرين على الحالة الراهنة في سوريا، حيث تعجز السلطات عن تأمين الطريق الواصل بين المطار ووسط العاصمة، ويكون وزير الإعلام "غايب فيله"، لجهله أن الإبراهيمي ينتظر في أحد فنادق دمشق موعداً لمقابلة الرئيس، فيما هو ينفي علم بلاده بهذه الزيارة، وفي ذلك دليل على التخبط والفوضى في أعلى مستويات السلطة الحاكمة.
المهم أن الإبراهيمي يحمل رسالة شديدة الوضوح، وتبدو متفقاً عليها بين القوى الدولية الفاعلة في الملف السوري، باستثناء إيران، مفادها القناعة الراسخة عند الجميع بمن فيهم النظام الحاكم الذي سرّب هذه القناعة في المقابلة الصحفية لنائب الرئيس مع صحيفة لبنانية يمولها حزب الله، باستحالة حسم الأزمة عسكرياً، وضرورة البحث عن مخارج سياسية، تتباين حول تفصيلاتها الآراء، لكنها تتفق جميعاً، بشكل أو بآخر، على أن النظام الذي كان قائماً في سوريا، لم يعد قادراً أو مؤهلاً للاستمرار.
برغم كل الاختلافات بين النظام ومعارضيه، فإن في الجانبين من يتفقون على مجرد رفض الآخر، في النظام من يخشى على مصيره شخصياً ، بعيداً عن مصير الأسد، والمقربين من العائلة والحاشية، ويعتقد هؤلاء أنهم سيدفعون الثمن مضاعفاً في حال سقوط النظام، وهم اليوم الأكثر تشدداً في طرح فكرة استمرار المعركة، بغض النظر عن آثارها الكارثية على البلاد، وفي المعارضة من يخشى فقدان دوره، في حال تم التوصل إلى تسوية، لا تتضمن الرحيل الفوري للأسد وكل رموز نظامه.
المطروح اليوم بحسب التسريبات هو إنشاء حكومة وطنية، تضم المعارضة وبعض الرموز المقبولة من النظام، على أن تكون صلاحياتها كاملة، وهي صلاحيات تتجمع اليوم بين يدي الأسد، وبما يعني تركه رئيساً صورياً حتى انتهاء فترته الرئاسية الثانية، شرط أن يلتزم بعدم الترشح للرئاسة مرةً أخرى، على أن يحظى بضمانات موثقة، تتعلق بعدم ملاحقته قانونياً بعد انقضاء هذه الفترة، تركيا من جانبها تقترح تقليص فترة استمرار الاسد رئيساً، بحيث تنتهي في الأشهر الثلاثة الأولى من العام المقبل، وهي فكرة لقيت بعض التفهم في موسكو، التي دأبت مؤخراً على تأكيد عدم تمسكها بالأسد، وأن اهتمامها منصب على مستقبل سوريا.
يمكن القول إن دمشق تشهد هذه الأيام الفرصة الأخيرة للخروج من عنق الزجاجة، وأن الابراهيمي يبذل محاولته الأخيرة، قبل أن ينسحب لاحقاً بكوفي عنان في حال فشل مهمته، وهو فشل يعني أن سوريا الدولة التي عرفناها لم تعد قائمةً، وأن التطرف الذي يقود إلى الحرب الأهلية بات سيد الموقف، وأنه لم يعد بيد النظام غير اللجوء إلى مزيد من العنف، يقابل به عنف مناوئيه، الذين تسللت أصولية متطرفة إلى صفوفهم، وباتت رقماً صعباً، لابد لكل المخلصين، أو حتى الباحثين عن مصالحهم، من تحجيمهم والتخلص منهم.
إن فشل الإبراهيمي، لن يلوم أحد أحداً، حيث يكون الجميع قد انخرطوا في عملية تدمير سوريا وتفتيت شعبها، وسلام على أرواح الشهداء السوريين، من يوسف العظمة، حتى آخر نقطة دم أريقت، بينما صاحبها ينتظر دوره للحصول على رغيف خبز.
الإبراهيمي في دمشق.. الفرصة الأخيرة
[post-views]
نشر في: 24 ديسمبر, 2012: 08:00 م