أصبحت الخرائط مثار اهتمام القوة التجارية العالمية مؤخراً، مع الانتقادات الموجهة إلى (أبل) للتكنولوجيا التي توصلت إليها في هاتفها الجديد.
ولكن كتابين صدرا أخيراً مع معرض للجمعية الملكية الجغرافية، يكشفان أن الخرائط كانت باستمرار مركزاً للسياسة والتجارة على مرّ العصور، كما كانت ايضاً مفتاحاً لتطور المخيلة الإنسانية.
ويشرح سيمون غار فيلد، أهمية الخرائط، في كتابه الجديد إن الإمبراطوريات القديمة أدركت مدى أهمية تحديد خارطة البلدان، كما أدركه موقع (غوغل) ومنافسوه وأهمية تأثيرها، بل إن هناك خلافات بين الطرفين على الحدود، وكما يقول المؤلف في كتابه إن سكان نيكاراغوا لجأوا الى خرائط غوغل في 2010 لدعم أحقيتهم في غزو كوستاريكا وبراين ماكليندون، الذي طوّر تقنية الخرائط، قد تم الاتفاق معه للعمل في غوغل في عام 2004، وقال الأخير (للمؤلف) إن النيكاراغويين أبلغوه، أنهم وجدوا في خرائطه دعماً لقضيتهم حول الحدود.
إن الأهمية والثقة بالأهمية التجارية والسياسية للخرائط ستزداد مع الأيام، (وهي لن تكون العامل الحاسم في الهواتف الذكية فقط، بل في السوق التجارية ايضاً).
والاهتمام المتجدد في تقديم خرائط للكرة الأرضية، موضوع يتناوله المؤرخ (جيري بروتون) ايضاً في كتابه، (تاريخ العالم في 12 خارطة)، كما أقامت الجمعية الملكية للجغرافيا، ندوة في لندن عن الخرائط.
إن تزايد الاهتمام بالخرائط والعالم يعود الى الحقيقة التي تكشف انه قد أصبح في مقدور الإنسان، أن يعثر على نفسه في هذه الخرائط، وذلك بلمسة من إصبعه - وكان الإنسان يشير الى الأماكن المختلفة على الخرائط، وهو اليوم وبإشارة من إصبعه، يضع نفسه في مركز الخارطة.
ولقد بدأ تاريخ رسم الخرائط عام 150 بعد الميلاد، عندما بدأ الجغرافي الأول، كلوديوس بطليموس باستخدام هذا المصطلح، وألفّ كتاباً عن مهارة رسم الخريطة، وبذلك أرسى بطليموس قواعد الخطوط الهندسية لخطوط الطول والعرض، وحدد مواقع أكثر من 8000 مكان في العالم القديم، ويضيف (غارفيلد)، أن من الممكن العودة الى الوراء إلى ما قبل 150 عاماً، الى تلك اللحظات التي بدأ فيها عقل الإنسان بالتطور.
وفي رأي ريتشارد داوكينز في كتابه (فك نسيج قوس القزح)، إن رسم خارطة ما هو واحد من الأمور الأساسية التي ميزّت الإنسان عن الحيوان.
لقد كان الإنسان في حاجة ليشرح للآخر كيفية الصيد، إضافة الى تفسير أمور أخرى وتسهيلها، وهكذا تطورت وسائل الاتصالات وتطورت مع الأعوام.
أما (بروتون)، الأستاذ في جامعة لندن، فهو يتحدث عن الصعوبات التي واجهها صنّاع الخرائط، وذلك عبر تقديمه قصصاً عن 12 خارطة أساسية، بدءاً من القواعد الأرضية لبطليموس وصولاً إلى خرائط غوغل، مضيفاً إليها الأعمال التي قدمها العلماء المسلمون وعلماء شرق آسيا.
ويستنتج (بروتون) من تلك الدراسة أن الخرائط لم تأت مطلقاً بدون غاية أو هدف، (إن فكرة العالم قد تكون واحدة بالنسبة لكافة المجتمعات ولكن المجتمعات المختلفة لديها أفكار منفصلة ومتميزة عن العالم وكيف يجب تقديمه).
وهو يرى ايضاً أن تاريخ الخرائط يقدم وسيلة لفهم التأثيرات السياسية ايضاً – (إنها بشكل من الأشكال تشير إلى من يمتلك تلك المناطق أو المدن وكيف تقسم إلى بلدان).
وهذا الأمر من الحقائق التي تؤكدها الطرق التي سلكتها السفن نحو الذهب والتوابل، وقد ظهرت للمرة الأولى في الخرائط البريطانية، والتي تشير إلى القوة والى أراضٍ تابعة لدولة أخرى.
إن سحر الخرائط ورؤيتها أو اقتنائها قد تغدو نوعاً من الهوايات ويستمتع الناس بالنظر إليها والتعرف الى مدن جديدة احتلت أماكن كانت خيالية من قبل، أو بلدان تغيرت حدودها مع الأيام، وهناك أناس مولعون باقتناء كافة أنواع الخرائط، وكما يقول غارفيلد، فان أفضلها هي (أطلس مايور) الذي وضعه جون بليو، انه مثير للإعجاب حقاً.
وقد ظهر مؤخراً، اهتمام بالخرائط المرسومة يدوياً ومنها تلك المرسومة من قبل غريسون بيري، وأيضاً تلك الخرائط التي تزين كتب (أدب الأطفال)، بدءاً من قصة (جزيرة الكنز) الى (يوميات نارينا وهوبيت)، وكذلك خارطة (راولينغ) في (هاري بوتر)، كما قدم فلاديمير نابوكوف، خارطة مدهشة ومثيرة للإعجاب لشخصيات (يوليسيس)، وأين ذهبوا جميعاً في يوم واحد.
ويقول غارفيلد، ان الخرائط على (الكرة الأرضية)، تبدو احياناً أفضل، وكانت المدارس في العقود السابقة، تحتفظ بواحدة منها في الصف الدراسي، كما أنها كانت رمزا للقوة والسلطة.
ومن الأمور المتعلقة بالخرائط أن ولاية كاليفورنيا، كانت تبدو على الخارطة – طوال قرنين من الزمن - جزيرة على الساحل الغربي للولايات المتحدة الأميركية، ولمدة قرن كانت جبال (كونك) تمتد عبر القارة الأفريقية، حتى اكتشف رحالة فرنسي، أنها لم تكن في ذلك الموقع، وهناك أماكن تتنازع عليها ثلاث دول.
ومن أشهر الخرائط في العالم:
* خارطة هيرفورد مابا موندي – عام 1300
* مشروع ميركيتور – 1569
* أطلس مايور – 1665
* خرائط غوغل – القرن الحادي والعشرون.
وقد أرست (غوغل) معياراً لرسم الخرائط على (النت)، مستخدمة صور الستلايت (الأقمار الصناعية)، لوضع صورة للعالم أكثر دقة وتفصيلاً من قبل.
عن الغارديان