حسين عبدالرازق انشغل الرأي العام وبعض القوى السياسية منذ الإعلان عن تكليف د. عصام شرف بإجراء تعديل على حكومته، بأسماء الوزراء الحاليين المرشحين لترك مواقعهم أو المتوقع احتفاظهم بمناصبهم، وأسماء الشخصيات «السياسية أو الفنية» المرشحة لدخول الحكومة الجديدة. ولم يتوقف أحد ـ إلا في ما ندر ـ حول سياسة الحكومة الثانية لشرف وبرنامج عملها، خاصة والمفترض انها حكومة قائمة حتى نهاية الفترة
الانتقالية في «نوفمبر ـ ديسمبر» هذاالعام والتي قد تمتد خلال عام 2012 طبقا للقراءة الدقيقة للإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس الماضي وبيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة الصادر في 12 يوليو.واستعراض الأسماء التي طرحت عبر أجهزة الإعلام، استناداً للقاءات معلنة أو سرية تم تسريبها بين رئيس مجلس الوزراء وعدد من الشخصيات، أو ترشيحات بادرت بها جماعات منظمة مثل «الجمعية الوطنية للتغيير» أو «الجبهة الحرة» أو «اتحاد شباب الثورة» أو «اللجنة الخماسية الممثلة للقوى الثورية للشباب» تشير إلى حقيقتين:فالغالب عن الأسماء المرشحة ـ والتي تنتمي إلى أجيال مختلفة من الذين جاوزا السبعين عاما وحتى الذين مازالوا في بداية الثلاثينيات ـ هو عدم الانتماء السياسي والحزبي أو ما يطلق عليهم «المستقلون»، وبعضهم كان منتمياً لحزب من الأحزاب ثم تركه لسبب أو آخر وأصبح مستقلا. فمن بين 25 اسماً طرحت في الصحافة يوم الجمعة الماضي هناك 19 اسماً من غير المنتمين حاليا لأي حزب سياسي سواء الاحزاب القائمة قبل ثورة 25 يناير أو التي تم تأسيسها بعدها، والاسماء الستة الباقية والمنتمية لأحزاب سياسية لم ترشحها أحزابها ولكنها رشحت لشخصها وليس على أساس الانتماء الحزبي!ويكاد يكون ترشيح هذه الأسماء قائما على أساس مدى شيوعها من الصحافة وأجهزة الإعلام سواء كانوا 4 صحفيين محترفين أو 6 آخرين يكتبون بصفة منتظمة في الصحافة أو نجوما دائمين في برامج التليفزيون الحوارية، أو يتم الحديث عنهم بصورة مكثفة في الإعلام كخبراء وفنيين في مجالات تخصصهم. ولكن الظاهرة الاساسية هي غياب أي برنامج معلن أو متفق عليه للحكومة القادمة. وقضية البرنامج ليست قضية شكلية أو ثانوية، بل هي جوهر العمل السياسي والتنفيذي في المرحلة الانتقالية. هناك اجتهادات مختلفة حول الاوضاع والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة في مصر قبل وبعد 25 يناير وطرق حلها والمنطقي أن تطرح الحكومة بمجرد تشكيل برنامجها لحل هذه المشكلات والقضايا، بل أن يكون ذلك واضحاً أثناء مشاورات التشكيل لكي يقبل المرشح لأي منصب وزاري المشاركة في الحكومة أويرفض على أساس قبوله أو رفضه هذا البرنامج.وهناك ثلاثة تحديات أساسية تواجه الحكومة: التحدي الاول هو تحقيق الأمن. فمصر تعاني منذ 28 يناير 2011 فراغا أمنيا، بدأ باختفاء الشرطة وانسحابها وتخليها عن دورها في تأمين المدن والاحياء والقرى والمواطنين، بعد أن استخدمت العنف في أقصى صوره ضد ملايين المتظاهرين في ميدان التحرير والسويس ومحافظات مصر المختلفة، ثم تسهيل هروب 23 ألف سجين، ومؤامرة اقتحام أقسام الشرطة وحرقها وسرقة ما بها من سلاح وقع في يد البلطجية الذين أشاعوا الرعب في البلاد لعدة أسابيع. وفي استطلاع للرأي قام به مركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء منذ 3 أشهر قال 92% من المصريين ان مطلبهم الأول من الحكومة هو توفير الأمن. ورغم أن الأوضاع الأمنية تحسنت نسبياً وبدرجة معقولة في الشهرين الأخيرين، لكن الأمن مازال تحديا حقيقيا إضافة إلى أهمية إعادة تأهيل جهاز الشرطة ليصبح في خدمة المجتمع والشعب والوطن، بعد أن كان دوره ومهمته الاساسية هو حماية الحكم والحكام والحركة الاخيرة التي أصدرها وزير الداخلية وشهدت إحالة 505 لواءات و164 عميدا وعقيدا للمعاش نقطة بداية لابد من البناء عليها.التحدي الثاني هو التحدي الاقتصادي الاجتماعي. فمصر تواجه منذ السبعينيات أزمة اقتصادية اجتماعية ناتجة عن سياسات الحكم المتبعة منذ عام 1974 والقائمة عى انسحاب الدولة من الاستثمار والانتاج وتوفير الخدمات الاساسية والرهان في التنمية على آليات السوق والرأسمالية المحلية الضعيفة والاستثمار الاجنبي الذي لا يعد السوق المصري سوقا جاذبة له، وما أدت إليه هذه السياسات ـ خاصة منذ تسعينيات القرن الماضي ـ من تعمق الأزمة ونمو قطاع الخدمات والتجارة والسمسرة على حساب الصناعة والزراعة. وزاد الأمر خطورة النتائج السلبية التي تعقب الثورات عادة والتي أدت بعد ثورة 25 يناير الي تراجع في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من أبرز ملامحها ارتفاع الاسعار وانخفاض القيمة الحقيقية للأجور وارتفاع نسب البطالة وازدياد نسب من يعيشون تحت خط الفقر. التحدي الثالث هو تحدي التحول من نظام حكم استبدادي قائم منذ أكثر من 40 عاماً بدستوره وقوانينه والشورى والمجالس المحلية، فمازال النظام القديم قائما ولم يتم تصفيته، ولم يتم تأسيس النظام الجديد القائم على دولة مدنية ديمقراطية حديثة بعد. والفترة الانتقالية حاسمة في حل هذا التحدي.ومن حق الرأي العام والأحزاب والقوى السياسية أن تعرف برنامج الحكومة لمواجهة هذه التحديات، لتمنحها ثقتها أو تحجبها عنها.
برنامج الحكومة
نشر في: 19 يوليو, 2011: 08:03 م