استكملت جماعة الإخوان المسلمين وحزبها «الحرية والعدالة» يوم السبت الماضي بناء دولتها و«دولة المرشد» كما أطلق عليها الثوار والمتظاهرون في ميدان التحرير وكل ميادين مصر، فبعد تشكيلهم الجمعية التأسيسية الباطلة، التي أعدت بدورها دستورا غير توافقي يؤسس لدولة دينية أو شبه دينية ويستعير منطق «ولاية الفقيه» بصياغات سنية، ويعيد إنتاج النظام الاستبدادي الذي كان قائما في ظل دستور 1971، وينتهك استقلال القضاء وحرية الصحافة ويميز ضد الأقباط وغير المسلمين عامة وضد النساء.. أقدمت على إجراء استفتاء باطل بدوره يومي السبت 15 و22 ديسمبر، وجرى تزوير نتائجه بفجاجة خاصة في مرحلته الثانية.
وتصورت الجماعة أن هذا الاستفتاء قد صحح البطلان الذي أصاب كل أركان دولتهم، وهو ما يتناقض مع الفقه الدستوري وأحكام المحكمة الدستورية العليا، ويبدو ذلك واضحا في حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن المقدم على القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المعدل بالمرسوم بقانون رقم 120 لسنة 2011 الذي انتخب على أساسه مجلس شعب 2011، فعندما حكمت المحكمة بعدم دستورية مواد في هذا القانون وبطلانه، أبطلت أيضا مجلس الشعب مما أدى إلى حله، رغم أن أعضاء هذا المجلس حظوا بتأييد الناخبين - أي الشعب - في انتخابات حرة ونزيهة.
إضافة إلى أن الاستفتاء افتقد ركنين أساسيين لديمقراطية الاستفتاء الشعبي.. وهما أن يجري الاستفتاء حول موضوع واحد بسيط يمكن الإجابة عليه بنعم أولا وليس جمعا لموضوعات مختلفة متناقضة يستحيل الإجابة عنها كلها بنعم أو لا، وهو الأمر الذي ظهر بوضوح في الاستفتاء على الدستور حيث طلب من الناخبين الإجابة بنعم أو لا على دستور من 236 مادة تتناول موضوعات شتى.. وأن تتاح فرصة كافية للحوار والنقاش تطرح من خلاله كل الآراء والمواقف عبر أجهزة الإعلام والمؤتمرات الجماهيرية في طول البلاد وعرضها وهو ما استحال تحقيقه خلال 15 يوما من إعلان النص المطروح للاستفتاء وحتى بدء التصويت في الاستفتاء.
وبإعلان النتيجة النهائية للاستفتاء وموافقة 47.63% من الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم (أدلى بصوته 16 مليونا و437 ألفا و547 ناخبا من إجمالي 51 مليونا من الناخبين، أي أكثر من 30% فقط من الناخبين)، أصبح هذا الدستور الباطل هو الحاكم للبلاد، وبالتالي أصبح البند الأول في جدول أعمال الأحزاب والقوى والحركات السياسية الديمقراطية هو إسقاط هذا الدستور الباطل بكل الوسائل والأساليب الديمقراطية والعمل من أجل تشكيل جمعية تأسيسية جديدة تضم في عضويتها ممثلين عن الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية وكل أطياف المجتمع المصري على أساس تمثيل متساو للجميع.
وتتولى هذه الجمعية صياغة دستور دولة مدنية ديمقراطية تقوم على المواطنة باعتبارها دون غيرها مناط الحقوق والواجبات العامة، وتكفل العدل والمساواة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون أي تفرقة أو تمييز بسبب الأصل أو الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الآراء السياسية والاجتماعية أو الانتماء الحزبي، واحترام الحريات العامة وحقوق الإنسان المدنية والسياسية والثقافية وحقوق المرأة وفقا للمواثيق والاتفاقات والعهود والبروتوكولات الدولية، والفصل والتوازن بين السلطات والرقابة المتبادلة وعدم تغول السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية وتلازم السلطة مع المسؤولية وتحجيم سلطات رئيس الجمهورية، ويضمن الدستور أيضا التمييز الإيجابي للمرأة ومنع الاتجار بالبشر أو الاتجار بالجنس، ويكفل تعزيز وحماية قيم التعددية، وعدم السماح لأي أغلبية أن تقمع بأي وسيلة أي أقلية سواء كانت فكرية أو دينية أو مذهبية أو عرقية أو مدرسة فنية أو أدبية أو فلسفية.
ويكفل الدستور حرية إنشاء الأحزاب والنقابات العمالية وتعددهما، وكذلك إنشاء النقابات المهنية، والمنظمات غير الحكومية عامة، وجميع أشكال تنظيم المجتمع المدني وبمجرد الإخطار، طالما لا تتعارض أهداف وبرامج هذه الكيانات مع الحقوق الأساسية للمصريين الواردة في الدستور الجديد، وطالما نمارس نشاطها بطريقة سلمية ولا تقوم على أساس الإقصاء.
لقد أسقط الشعب المصري دستور 1930 الذي فرضه إسماعيل صدقي بدلا من دستور ثورة 1919 الصادر عام 1923.
وأسقط الشعب المصري بعد ثورة 25 يناير دستور 1971 الذي فرضه السادات في استفتاء مزور وافق فيه 8 ملايين وألفان و759 ناخبا على هذا الدستور بنسبة 982.99%!
وسيسقط الشعب المصري دستور محمد مرسي وجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة، لينفتح الباب أمام صياغة دستور ديمقراطي توافقي، وبالتالي إمكانية تطبيق سياسات اقتصادية واجتماعية جديدة تنحاز للشعب وتحقق مصالح العمال والفلاحين والموظفين والفئات الوسطى في المجتمع وتقضي على الفقر والبطالة والفساد.