الدكتور مهدي صالح دوّاييواجه العالم منذ عقدين تحديا مزدوجا ذا علاقة بتلبية الاحتياجات الغذائية ، فالزيادة السكانية المتصاعدة قد توصل قاطني الأرض إلى ( 9) مليارات نسمة عام 2050 ، يتزامن معها مناخ متقلب تغلب عليه ظاهرة الاحترار ، وحسب تقديرات ( الفاو ) فان إطعام سكان العالم يتطلب زيادة قدرها 70% في إجمالي الناتج الزراعي العالمي ، ومع أن التقارير الدولية تشير إلى تضاعف كفاءة الزراعة العالمية خلال العقود الستة الماضية ، ،إلا إن كمية الأرض الزراعية لم تزد بأكثر من 10% فقط .
وقد ذهبت دول العالم المتقدم والنامي بعيدا" جدا" لإيجاد حلول عاجلة وبعيدة الأمد لأمنها الغذائي ، وبات التحدي أكثر تعقيدا" بفعل الآثار السلبية لتغيرات المناخ ، منها ؛ تشكّل سلالات جديدة من الآفات الزراعية بحاجة إلى مضادات جديدة لإبادتها ، ومشكلة تغير أوقات المواسم المطيرة ، ومخاطر الجفاف والتصحر ، وتلوث البيئة ، فكان لابد من التعامل مع مشاكل معقدة لا تحتمل التأجيل والتباطؤ ، لارتباطها بمعيشة وبقاء الإنسان على هذه البسيطة . وعلى قدر هذه التحديات أطلقت العديد من البرامج والتقارير والفعاليات والاستراتيجيات لتطويق الآثار السلبية لتغيرات المناخ ، وتحديدا" على الأمن الغذائي العالمي ، ومن بين تلك البرامج ما يعرف بـ ( الزراعة الذكية مناخيا" ) ، والتي تعني الإنتاج الزراعي القادر على زيادة الغلال وتدعيم المرونة في مواجهة الضغوط البيئية ، وفي نفس الوقت خفض إطلاق عوادم الغازات المسببة للاحتباس الحراري ، أو إزالتها عن الأجواء . فمحصول الرز الذي يعد غذاء" أساسيا" يوميا" لما يزيد على ثلاثة مليارات نسمة في العالم ، لكنه يأتي في المرتبة الثانية من حيث إصدار غاز الميثان المسبب للاحتباس الحراري ، إذ يزداد تكوينه عندما تروى التربة بالكامل ، لذلك فان الري بين المواسم ، أو تجفيف التربة على نحو متقطع يمكن أن يحد من تكون غاز الميثان ، وهناك العديد من الأمثلة لممارسات دولية حول أنماط الزراعة الذكية مناخيا "في ظل الهموم الدولية المشتركة التي أفرزتها التكنولوجيات المعاصرة والانفجار السكاني ، وبالتأكيد كانت البيئة بمكونات حياتها النوعية هي من يدفع الثمن .إن ما نصبو إليه وفقا" للمداخل السابقة ، هو التعاطي عراقيا" مع نماذج الزراعة الذكية مناخيا" ، إذ إن ظواهر التدهور المناخي والتصحر والأتربة المستديمة ، التي يعانيها العراق ليس بسبب الزراعة غير الذكية ، وإنما بسبب تراجع وتدهور النشاط الزراعي ذاته ، عليه فمن المؤكد أن العمل باتجاه الزراعة الذكية مناخيا" يتطلب تأسيس وإعادة تأهيل الفعالية الزراعية برمتها وفقا" للمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ، وبما تمليه الطفرات التكنولوجية التي طبقت في القطاع الزراعي .فوفقا" للغة المؤشرات الاقتصادية , فان القطاع الزراعي في العراق يسهم بأقل من 15% في تكوين الناتج المحلي الإجمالي ، ويستورد نحو 70% من حاجة السوق المحلية للمواد الغذائية ،وقد أورد أحد التقارير الدولية بان العراق أدرج في قائمة العشرة الأوائل عالميا" على مستوى التبعية الغذائية ، إذ بلغ مؤشر التبعية 81.5% ، وبلغت حصة الفرد من الأراضي المنتجة المتاحة ما مقداره 0.25 هكتار .وتعد الإنتاجية في القطاع الزراعي مؤشرا" على هامشية هذا القطاع ، فوفقا" لإحصائيات منظمة التغذية الزراعية التابعة للأمم المتحدة ، فان الهكتار الواحد من الأرض الزراعية يكفي لتزويد ( 14) شخصا" بما يحتاجون من الغذاء على مدار السنة ، وإذا ما تم اعتماد هذه الإحصائية في ظروف العراق ، وعلى اعتبار أن مساحة الأرض الخصبة الصالحة للزراعة فيه تبلغ ( 22) مليون دونم ، فان الإنتاج الزراعي في العراق يفترض أن يكفي لتغذية ( 77) مليون نسمة ، أما إذا احتسبنا مساحة الأرض المزروعة فعليا" والبالغة ( 13) مليون دونم ، فيمكن لنحو ( 45) مليون مواطن عراقي الحصول على غذائهم دون اللجوء إلى الاستيراد من الخارج ، فالعراق البلد الثاني بعد السودان في مجموعة الدول العربية بما يمتلك من مؤهلات زراعية ، إلا أن واقع الحال يشير إلى فقدانه عشرات الآلاف من الدونمات سنويا من الأراضي الصالحة زراعيا" لأسباب تتعلق بالملوحة والتصحر والتجاوز على المساحات الخضراء .إن عددا" من الخسائر المنظورة وغير المنظورة ستلازم الاقتصاد العراقي ، إذا لم توضع الحلول الجذرية لواقع هذا القطاع ، فتلك الحلول كفيلة بمعالجة تنويع موارد الدخل القومي ، وامتصاص حالات البطالة ، وانتعاش السياحة ورفع قيمة العملة ، وتحقيق ميزان تجاري ايجابي ، وإحداث تغييرات ايجابية في المناخ ، وإنهاء حالات الانكشاف الغذائي والتجاري مع العالم الخارجي ، وغيرها من النتائج الايجابية المحفزة لمجمل الفعاليات الاقتصادية للبلد .من هنا فان الوصول إلى الأهداف الايجابية أعلاه يستوجب وضع حلول غير تقليدية يمكن الإشارة إلى البعض" منها : 1-إدخال تقنيات متطورة إلى القطاع الزراعي ضمن مستلزمات ( الزراعة الصناعية ) و( الصناعة الزراعية ) ، وهذا يستلزم زيادات استثنائية في ما مخصص من موازنات مالية تدعم هذا القطاع .2- إقامة قرى زراعية نموذجية وفقا" للميزات المطلقة لكل محافظة ، ضمن فعاليات هيئات الاستثم
الزراعـة الذكيـة مناخيـا: الخيـار الأهـم
نشر في: 20 يوليو, 2011: 05:18 م