قيس قاسم كارلوفي فاري لم تتغير مدينة كارلوفي فاري التشيكية كما تغيرت العاصمة براغ كثيرا، بعد انتقالها من الأشتراكية الى الرأسمالية على المستوى الخارجي في الأقل، فظلت على طبيعتها محتفظة ببراءتها وبذات الجمال الذي عرفت به بوصفها واحدة من أجمل المدن الإصطيافة لعذوبة مياهها ونقاء
هوائها، والهدوء الذي يحيطها رغم كل ضجة، مهرجانها العريق واقبال الناس عليه، ويكفي الخروج لدقائق عن حدود مركزها لتعيد لزائرها صورتها الأولى، ما تغير فجأة فيها هو طقسها حين برد على غير عادته في مثل هذا الموسم من السنة، حيث الشمس تظل ساطعة فيه، أما في هذة الأيام فغابت، وعوضا عنها أشرقت شمس السينما فراح لها جمهور كثير. نحو العربرغم عمره الطويل لم يقم المهرجان علاقة قوية لا مع السينما العربية عموما ولا مع نقادها غير أن هذة الدورة توجهت وبشكل استثنائي الى السينما العربية فعرضت مجموعة من أفلامها واستضافت مجموعة من النقاد السينمائيين العرب وبهذا يتوجه المهرجان الى منطقتنا عبر بوابتي الأفلام والكتابة، حاله حال المهرجانات الأوربية الكبيرة والتي كان جزءا من تميزها وانفتاحها على سينمات العالم، غير السينما الأوربية والأمريكية، واستضافتها نقادا وصحفيين منها، ويأتي اختيار الفيلم اللبناني "طيب، خلص، يلّلا" الى جانب أفلام عربية أخرى انسجاما مع هذا السياق، أما جودته فتشجع بدورها الجمهور على الإقبال لمشاهدة أفلام هذة المنطقة والتعرف على مستواها عبر عرض الكثير منها في دوراته، خاصة إذا كانت بمواصفات هذا العمل الذي فيه روح بحث جادة عن الذات ومعرفتها دون أحكام مسبقة أو تعبير سياسي مشحون، فموضوعه المركزي لا يذهب الى هذة الوجهة الاشكالية قدر حرصه للذهاب الى دواخل الإنسان في هذا البلد. اختارا الثنائي رانيا عطية ودانييل غارسيا شابا من طرابلس ، شمال لبنان، يعيش مع والدته ويختلفان على تفاصيل حياتهما اليومية كثيرا، أما بقية يومهما فيمضونه في عادية دون كثير اهتمام بالعالم الخارجي، ومشهد والدته وهي تنظر من شباك مطبخها الى الدخان المتصاعد من اطارات السيارات التي أحرقها شباب معارض في المنطقة، تُبين لنا هذا الجانب، فحينما أخبرها بتلك التفاصيل المتعلقة بفعل الشباب ورغبته مشاركتهم نهرته بهدوء وحذرته من المشاركة في أفعال توجع الرأس والشاب بدوره لم يعترض، إذاً ما يحرك دواخلهم ويجسد همومهم هو العيش اليومي، والبقية هامشية، لا تمثل شيئا بالنسبة اليهما فالشاب هاجسه يتمحور حول حلوياته التي يبيعها في محله والأم مشغولة بإدارة شؤون المنزل وما عدا هذا فعلاقات جورة يُفعلها ويشد من توترها طفل جارتهم الذي يلعب في ساحة حديقتهم الصغيرة ويتسبب في كسر بعض أشجارها. طفل الجيران كان من بين المشاركين في الريبورتاج الذي أعده المخرجان لنا بجانب الفيلم المصور بكاميرة ديجيتال. اضافة شخصيات الفيلم الرئيسية الى التسجيلات على رغم حضورها بقوة في معظم المشاهد، فيه نوع من الفصل بين ما هو دراما متخيلة وآخرى قريبة من الواقع مع انها غير واقعية بمعنى ليست هي بشخصيات من الحياة الحقيقة مسجلة وثائقيا. بهذة "اللعبة" حاولا المخرجان خلق عالمين يبدوان مختلفين فنيا ولكنهما موحدان دراميا في مقاربة الى صورة الشاب ووالدته التي تبدو شديدة القرب مع الواقع ولكن حين تسافر الأم الى بيروت تظهر أمامنا صورة ثانية مختلفة هي صورة الواقع الطرابلسي وفيه الشاب عنصرا عاكسا والى حد كبير لمرآة أخلاقيات المنطقة وتحفظاتها وأيضا للعالم الثاني المستور، عالم المومسات والخادمات الأجنبيات المضطهدات وفيه عنف داخلي يظهر بشكل بريء عبر ألعاب الطفل فأغلبيتها أسلحة تماثل أسلحة القتل الحقيقة. ثنائية الواقع وخفايا دواخل الشاب، هما ركيزتا فيلم "طيب، خلص، يلّلا" فسلوك الشاب الخارجي يمثل الصورة المرغوبة في عرضها الى الآخر وهو يلعب دوره فيها بشكل مدهش، دوره كمواطن سوي مستقيم أما في أعماقه الحقيقية فثمة أشياء تدفعه لممارسسة أفعالا أخرى "مشينة" يدعي طيلة الوقت عدم اهتمامه بها ولكنه سرعان ما يركض للقيام بها حال اختفاء الآخر من أمامه والجنس هو من أكثر المحاور النفسية التي تقلقه وتعري ارتباكه واختلالات توازنه النفسي. إذن نحو نشاهد أمامنا كائنا فيه من السوية المعلنة ما يكفي لفهم عدم اهتمامه بالمرأة كونه يكرس حياته كلها لوالدته ويبتعد عن الزواج أو الاقتراب من أي واحدة كانت. هل هي الحرب، المنتظر اشعالها في كل لحظة، هي التي تخيف الشباب من الزواج فيذهب بخوفه الى اتجاه آخر موجود موضوعيا في مجتمعاتنا؟ قد يكون هذا واحدا من الأسئلة الداخلية التي جهد المخرجان في فرضها علينا بقدر متقارب من فرضهم علينا، وعبر أحداث صغيرة، أو حتى لقطات سريعة، صورة لبنان مصغرا في طرابلس وتناقضاته الحقيقية عبر موضوع الخادمات الأسيويات والأفريقيات مثلا. حاولا المخرجان جمع صورة الواقع اللبناني انطلاقا من حياة شاب وأمه ولكنهما لم يغرقا في تفاصيلها لقد ظلت علاقة الشاب بمحيطة هي الم
مهرجان كارلوفي فاري ينفتح على العرب اللبناني "طيب، خلص، يلّلا" يخرق الحواجز

نشر في: 20 يوليو, 2011: 08:16 م