ارتبط الأمن دائما بحماية الحدود وانتشار القوات المسلحة على طولها مهما اتسعت ، ولم نجد من يختلف على هذا في العقود المنصرمة على الأقل في منظومة الفكر الستراتيجي العربي القائم على الأطر التقليدية التي ورثها تاريخيا من خلال بناء الأسوار من أجل حماية المدن حينما كان الخطر يأتي مدججا بالسلاح من خلف الحدود .
في الألفية الثالثة التي اختلفت فيها الموازين والمفاهيم معا وأصبح مفهوم الأمن أكبر من ذي قبل واتسع ليشمل مديات أخرى أبعد مما نتصوره شهدت بداية هذه الألفية حروباً من نوع آخر لم تألفها البشرية من قبل .
ويعتقد البعض بأن الأمن في القرن الحادي والعشرين ينحصر ويقتصر على حماية المجتمع من الجرائم الإرهابية والمشابهة لها ، خاصة أن مفهوم الأمن في الفكر السياسي والثقافي للمنطقة يقتصر على أمن الدولة فقط من دون أن يفكر بأمن الإنسان، وقد برز مفهوم الأمن الإنساني في النصف الثاني من عقد التسعينات من القرن العشرين كنتاج لمجموعة التحولات التي شهدتها فترة ما بعد الحرب الباردة في ما يتعلق بطبيعة مفهوم الأمن ونطاق دراساته.
وأثبتت خبرة الحرب الباردة أن المنظور السائد للأمن - وهو المنظور الواقعي- لم يعد كافيًا للتعامل مع طبيعة القضايا الأمنية والحاجة لتوسيع منظوره ليعكس طبيعة مصادر التهديد.
ولكننا نجد ومع بداية الألفية الثالثة أن الدول أصبحت الآن تواجه بأنماط عدة من مصادر التهديد، التي ليست بالضرورة مصادر عسكرية، ومنها تجارة المخدرات عبر الحدود، والجريمة المنظمة المدعومة من دول أخرى ، وانتشار الإرهاب الدولي كبديل للحروب بين الدول المتجاورة ، وانتشار الأمراض والأوبئة، كالإيدز وأنواع الأنفلونزا ، وانتشار الفقر الذي وصلت معدلاته في العالم نسباً مخيفة ، والتلوث البيئي وحروب المياه التي قد تنشب في أية لحظة, والأزمات الاقتصادية وتداعياتها وعجز المنظور التقليدي للأمن عن التعامل مع تلك القضايا ،خاصة أن التهديد في معظم الأحيان غير مرئي أو واضح.
وفي أحيان كثيرة تفرض الأفكار والثقافات الوافدة تهديدًا على القيم الثقافية المحلية من جهة، ومن جهة ثانية استغلال التكنولوجيا المتطورة في بث الفكر الإرهابي المتطرف وشيوعه في مختلف أرجاء العالم. ولعلنا في العراق نحتاج إلى الكثير من المعالجات في هذا الميدان بغية حماية الإنسان وتوفير الأمن له من خلال تحسين الوضع الاقتصادي والصحي من جهة، ومن جهة ثانية اعتبار أمن المواطن من أمن الدولة , يضاف إلى ذلك عقد اتفاقيات واسعة مع دول الجوار والمحيط الإقليمي يتم من خلالها معالجة الكثير من المشاكل التي ما زالت تشكل تهديدا قويا لأمن المواطن، وبالتالي أمن الدولة وفي مقدمتها ضبط الحدود ومنع تهريب الأسلحة والمخدرات وإيواء المجرمين المطلوبين،وضمان حصة العراق المائية في نهري دجلة والفرات في ظل استحواذ دول المنبع على الكمية الأكبر مما يهدد مستقبل العراق الزراعي على المدى القريب والمتوسط .
إذن هنالك حروب جديدة في العالم تدار عبر القارات ولا تحتاج لجيوش وحاملات طائرات وقنابل ثقيلة الوزن ، وصواريخ حاملة للرؤوس النووية ، إنها حروف الألفية الثالثة .