إيمان محسن جاسمالثورة تعني التغيير الشامل، وما يحدث في المنطقة العربية شيء جديد بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ولعل شعوب المنطقة لم تعش لحظات التغيير في مستوى الإعلام وفروعه المتعددة كما عاشها الشعب العراقي بعد عام 2003، وما يترتب عليه من تشكيل إعلام جديد ليس بالضرورة يمثل وجهة نظر الحكومة بل من الضروري أن يكون معبّراً عن المجتمع بصورة عامة من جهة ومن جهة ثانية أن يكون هذا الإعلام في متناول الجميع أي جميع الأحزاب والقوى الوطنية،
خاصة وأن التغيير المطلوب جعل الفضاء مفتوحاً أمام الجميع بما أن الذي حدث هو ثورة على نظام استبدادي شمولي،فبالتأكيد أنه سيحدث تغييراً شاملاً على غرار ما حصل في العراق بعد عام 2003 ، وكما قلنا نحن في العراق جعلنا الإعلام في متناول الجميع بما وفر المناخ المناسب للتعبير عن الرأي و بما لا يتعارض والدستور العراقي وثوابت المجتمع وقيمه العليا.الآن نسمع ونقرأ عن مطالبات بأن تحذو الدول العربية التي أصابها التغيير مثل مصر وتونس وأن تجعل الإعلام محايداً وفي متناول الجميع خاصة وإن البلدين يمران بمرحلة انتقالية تتبعها انتخابات وهذه الانتخابات ستخوضها أحزاب وقوى تحتاج لوسائل الإعلام لكي تروج لنفسها ولبرنامجها الانتخابي،وبالتأكيد هذا ليس ترفاً أن يرفع إعلاميون مصريون وتونسيون صوتهم للمطالبة بضرورة أن يعبر الإعلام في بلادهم عن الشعب وقواه الوطنية والثورة التي تحققت ومكتسباتها, وأن لا يظل الإعلام حكراً لجهة دون أخرى ، أي توديع مرحلة الإعلام الشمولي وإنهاء الوصاية والتبعية التي عُرف بها الإعلام العربي منذ سنوات طويلة .وفي مصر بالذات هنالك رؤية تبدو قاصرة يعتقد أصحابها بأن كل شيء ينتمي للعهد المباد يجب أن يزال بزوال النظام، وقد كانت تلك رؤية قاصرة وغير علمية، وهذه الرؤية يعانيها الكثير من المثقفين والفنانين،وبعض القنوات الإعلامية أيضا ورجال الإعلام،الذين وجدوا أنفسهم يدرجون بقوائم سوداء بشكل أو بآخر وهذا ما يفرغ البلد من عناصر قوته،وقد تكون هذه أخطاء تصاحب التغير في مراحله الأولى وقد تعايشنا معها في العراق في وقت مبكر ووجدنا بأن الزمن وحالة التغيير نفسها جعلت من الكثير من أمثال هؤلاء قد تغيرت مفاهيمهم وأصبحوا أدوات فعالة في بناء البلد ديمقراطياً بعد أن أدركوا بأنهم باتوا جزءاً مهماً في عملية البناء المجتمعي القائمة على عنصر المواطنة أولاً دون البحث عن عناوين ثانوية أخرى.لكن ما يمكن أن نخرج به بعد أشهر من ثورتي تونس ومصر سنجد بأن هنالك عقلية كلاسيكية مازالت تنظر للأمور من زاوية شمولية ولا يمكن لها أن تتخيل بأن يخرج الإعلام من قبضة الحكومة أو الدولة وعين الرقيب،متناسين بأن مرحلة التغيير تعني أن نسعى لتأسيس إعلام يمثّل أغلبية الشعب ومصالحه،إعلام يعتمد شعار الحقيقة في متناول الشعب،أي أن نصنع إعلام غير مقيد وفي نفس الوقت يكون غير منفلت، ويكون إيجابيا ويبتعد عن المنافع الشخصية والفئوية الضيقة، لأن واجب الإعلام يحتم عليه أن يكون بمستوى المسؤولية التي سيقوم بها،خاصة إن ما يحتاجه المتلقي في البلدان التي شهدت التغيير هو تكوين رأي للمستقبل بعيداً عن التشويش، وبالتالي فإن هذا الإعلام هو من سيصنع الرأي العام،لأن نسبة عالية من الشعب العربي لا يملكون أدوات التحليل التي تجعلهم قادرين على استيعاب مرحلة التغيير وهضم المفاهيم الجديدة ما لم يكن هنالك إعلام وتوعية موثوق بها من قبل الناس، وبالتالي فإنهم سيضعون ثقتهم بالإعلام الجديد من أجل تكوين رؤيتهم للمستقبل.
مرحلة التغيير والإعلام المطلوب
نشر في: 25 يوليو, 2011: 05:27 م