لا التعاون الثنائي، ولا فكرة مد أنبوب لتصدير النفط العراقي من ميناء العقبة، ولا السماح باستيراد المنتجات الزراعية الأردنية للسوق العراقية، هي دافع رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي، لتقديم موعد زيارته للأردن، بحيث بدت وكأنها مفاجئة، خصوصاً عند نظيره الأردني، الذي كان يحزم حقائبه لزيارة بغداد، على أمل فتح ولو كوىً، للتعاون بين البلدين، الذين تميزت علاقتهما بالمودة، رغم كل الظروف السياسية التي طرأت في بلاد الرافدين، منذ أطاح جيشها حكم الهاشميين قبل أكثر من خمسين عاماً.
سببان رئيسيان سرّعا زيارة المالكي، أولهما التطورات المتسارعة على الأرض في سوريا والمخاوف من تداعيات سقوط النظام، دون إعداد لليوم التالي، وهي مخاوف تتشارك فيها عمان مع بغداد، وإن اختلفت الدوافع، والمسكوت عنه في هذا الإطار، هو العرض العراقي للتعاون بين الدول المحيطة بدائرة النار السورية الملتهبة، وهي تخشى انتقال الشرر إليها، للضغط على طرفي النزاع في سوريا، والدول الداعمة لهما، على قبول مبادرة الحل، التي حملها أخيرا المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي، وهي مبادرة لا تحظى حتى اللحظة بقبول أي من الطرفين.
السبب الثاني، كما أشارت بعض المصادر العراقية في عمان، هو التواصل مع عدد من السياسيين العراقيين المقيمين في العاصمة الأردنية، وهم جميعاً من خصوم المالكي، في محاولة لتطويق تداعيات اعتقال عدد من حمايات وزير المالية بتهمة الإرهاب، وهي تداعيات وصلت حد إعلان العصيان المدني في بعض المناطق، ومن ناحية ثانية محاولة بناء تحالفات جديدة، لمواجهة تطورات الأزمة بين بغداد وأربيل، وهي أزمة كانت مرشحة للتبريد، نتيجة جهود الرئيس العراقي جلال طالباني، عافاه الله، قبل أن يمنعه المرض من مواصلتها.
ليس هناك شك في أن الأردن معني بالتعاون، بأي شكل ومع أي جهة، لتبريد الملف السوري، من خلال دعم مبادرة المبعوث الدولي، وعلى أمل أن تنتهي الأزمة السورية، بشكل يحفظ وحدة تراب الدولة، ويحافظ على وحدة المواطنين، ويمنع استمرار نزيف الدم، ويقيناً أن عمان لم تكن بحاجة إلى أي وعود نفطية، للانخراط في هذا الجهد، خصوصاً وأن المعروض اليوم كان ضمن اتفاقات سابقة بين البلدين، لم تدخل حيز التنفيذ لأسباب ليست أردنية بالتأكيد، وليس هناك أي شك في أن عمان تدعم أي جهد يسعى لاستقرار العراق، لأن ذلك يشكل مصلحة أردنية بالدرجة الأولى، قبل أن نتحدث عن المشاعر القومية.
تؤشر الصور والتصريحات، بعد لقاء المالكي المغلق مع العاهل الأردني، إلى نجاح مهمة رئيس الوزراء، الذي كان منشرحاً ومرتاحاً، بسبب ما قيل عن تناغم المواقف الثنائية حيال القضية السورية، وتطابق وجهات نظر الطرفين حيال نبذ التطرف ودعم الاعتدال، حسب تصريحات المسؤول الإعلامي في رئاسة الوزراء العراقية، وإذا كانت مهمة المالكي تنحصر في ما أسلفنا فإن المؤكد رضى نظيره الأردني عن نتائج المباحثات الهامشية، التي أكدت ضرورة تطوير العلاقات الثنائية والتعاون في مجالات النفط والزراعة والنقل والتجارة، وبما يبعث الأمل في فتح آفاق جديدة للتعاون في الجانب الاقتصادي، الذي تراجعت مستوياته في السنوات القليلة الماضية.
إن كانت النوايا خالصةً، فإن كل مخلص يأمل بنتائج إيجابيةً من زيارة المالكي "المفاجئة"، غير أننا كمراقبين نجد أنفسنا ضمن مربع الحذر من أن يكون الضيف العراقي يبطن غير ما يظهر، لذلك نقول له أهلاً و؟.
المالكي في عمان.. أهلاً و؟
[post-views]
نشر في: 25 ديسمبر, 2012: 08:00 م