اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > في ذكرى رحيل الفنان الرائد محمد راضي عبدالله..ضلع مهم في جماعة مثلث البصرة

في ذكرى رحيل الفنان الرائد محمد راضي عبدالله..ضلع مهم في جماعة مثلث البصرة

نشر في: 26 يوليو, 2011: 08:03 م

فيصل لعيبي صاحيغادرنا  بصمت يشبه صمته العميق في لحظات توهج عقله النير والساخر معاً ، يوم الثاني والعشرين من تموز الجاري الفنان الرائد في مدينة البصرة محمد راضي عبد الله والمولود  في البصرة عام 1934 .
قد تبدو بعض الحوادث لا معنى لها وقد تشير غيرها إلى مغزى عميق، وموت هذا الفنان القدير والمربي الكبير لجيل من الفنانين الذين يفتخر بهم العراق اليوم، كالفنان الكبير صلاح جياد وغيره، يمكن وصفها بما يشبه الدرس الجدير بالتمعن.عندما كنا في بدايات الانتباه لمعنى الرسم، كان من حسن الصدف ، أن يكون الأستاذ محمد راضي عبد الله ، هو المربي الذي أخذ بيدنا بشكل منهجي وساعدنا بعد ذلك على فهم الكثير من مغاليق الفن والمعرفة والثقافة عموماً.لم أكن أراه بدون كتاب يحمله بين يديه وباللغة  الإنكليزية أحياناً،وكان ينبهنا إلى الكتب الجديدة التي تعرضها (مكتبة فرجو) في (شارع الوطني) الشهير، في البصرة  وضرورة تصفحها، لأنه يعرف عدم إمكانية شرائها من قبلنا، وهو من نبهنا إلى مكتبة (أوريزديباك)   في البصرة، لمطالعة آخر ما وصلها من كراريس الفن والفنانين الغربيين، وكان درسه ليس تطبيقياً عملياً لمادة الرسم  فقط، بل نظرياً أيضا، فهو أول من عرّفنا بـ (فائق حسن وجواد سليم) وغيرهما من فناني العراق الكبار، ولا أغالي لو قلت، إن هذا الفنان كان أول من أشار لنا بضرورة دراسة الفن العراقي وتجاربه الرائدة، إلى جانب دراسة تاريخ الفن العام وربط الخاص بالعام.كان يلقي علينا محاضرات قيمة عن الفن العراقي والفنانين العراقيين ومن خلاله تعرفنا على  (جواد سليم وفائق حسن والدروبي والشيخلي ومحمود صبري)  وغيرهم من رواد الحداثة في الرسم العراقي المعاصر. وكنّا نكتب تلك المحاضرات ونقدم له خلاصاتها في امتحاناته النظرية لنا في هذه المادة، وهو أول من ادخل هذا التقليد على ما أظن إلى مراسمنا في البصرة ولا أعرف إن كانت هذه العادة متبعة في بقية المحافظات، في المدارس المتوسطة والثانوية وقتها أو في أيامنا هذه.كان الفنان محمد راضي ، كثير القراءة وحريصا على إيصال ما يتعرف عليه من خلال الكتب، إلينا نحن تلامذته، الذين تبهرنا معلوماته وتحليلاته، للّوحة ومضامينها. وهو إلى جانب ذلك هادئ الطبع وتكاد لاتسمع خطواته ، كنت أراه قريباً إلى شخصية الجنتلمان الإنكليزي ، حتى في اختيار ملابسه، وألوانها وأشكالها، وهو يحتذي حذاءً بأرضية مطاطية دائماً، حتى لا يحدث أصواتاً كثيراً ما نسمعها من أحذية الأساتذة الآخرين، عند سيرهم بين رحلات الطلبة، في أصواتها التي تزيّط كما تفعل الأبواب القديمة عندما نفتحها.هل كان أنيقاً ؟ نعم فهو مثال للفنان الذي يحترم شخصيته، فلم نره مثلاً ، يدعي البوهيمية او عدم الاكتراث بشكله أو مظهره، ولم نشاهده يلقي علينا بعض فنتازيات التحذلق، الذي عرفناه عندما ذهبنا إلى بغداد للدراسة في معهد الفنون الجميلة، وكان رصيناً وجاداً في تعامله معنا، ولم نشعر يوماً – وأنا هنا أتحدث عن نفسي – أنه عامل بعض أسئلتنا باستخفاف أو عدم الاهتمام.عندما توفي الفنان الكبير جواد سليم، عام 1961 جاءنا وهو مطأطئ الرأس، ولم ينظر لأحدنا، وطلب منّا فتح دفاترنا، لينهمر كلامه عن جواد مصحوباً بحزن و الدموع التي تلألأت في عينيه، ولم يكمل الدرس وقتها واعتذر منّا وخرج إلى ساحة المدرسة وظل هناك دقائق ثم عاد، بعد أن أدركنا نحن طلبته، انه قد أجهش بالبكاء على أستاذه جواد سليم، بعيداً عنّا.كان الفنان محمد راضي من أكثر فناني البصرة التصاقا ببيئتها، إلى جانب الفنان الراحل الرائد والمذهل (إبراهيم الكمالي)، لكنهما اختلفا في تناولهما بيئة البصرة،فبينما كان الفنان إبراهيم قد كرّس كل جهده للطبيعة في البصرة، كان الفنان محمد راضي في لوحاته  يعكس المدينة والشناشيل والأزقة وحياة الناس اليومية، وكان مسحوراً بتلك التعرجات التي تحدثها الأزقة البصْرية من خلال حركة الشمس والظل والنور.لم ألتق أستاذي محمد راضي، بعد ذهابي إلى بغداد إلا نادراً عند زياراتي القصيرة إلى البصرة، لكني التقيته في باريس عام 1982 على ما استذكر، عندما جاء للتداوي من علته التي لازمته حتى رحيله الأخير، جلست عند حافة السرير في المستشفى، وكان كعادته يقرأ في كتاب باللغة الإنكليزية أيضاً، ولم تغب ابتسامته الأبوية عنه عندما انتبه إلى وجودي، وكم كان بوده أن يقوم من سريره لاستقبالي، لكنه كان متعباً، تكلمنا كثيراً عما آلت إليه الأمور في البلد، لكنه كان حذراً جداً من التعبير عن أفكاره التي أعرفها، وتبينت بعد ذلك إن زيارتي قد توافقت مع احتمال زيارة السفير العراقي أو الملحق الثقافي في السفارة، له وقد فهمت من عبارته تلك هذا القلق عليَّ، أكثر مما كان عليه، وكنّا وقتها قد أصبحنا على طرفي نقيض كمعارضة ونظام . ودّعته وقبّل بعضنا الآخر على أمل أن نلتقي يوماً ما، لكننا لم نلتق بعدها مع الأسف الشديد.شكل الفنان محمد راضي مع الفنانين الكبيرين (فاروق حسن) أستاذي الجليل الذي نبهني إلى التراث العراقي، وأنا في المتوسطة،

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram