TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > المطعم

المطعم

نشر في: 26 يوليو, 2011: 08:30 م

فريدة النقاشسعدت أيما سعادة حين أخبرني الفنان المبدع «مجدي عبيد» أن فريق عرض «المطعم» الذي يقدمه مسرح الشباب رفض بعد حوار بين أعضائه أن يغير في توجهات العرض واستراتيجيته بعد ثورة 25 يناير ليواكب الثورة أو ليقول إنه تنبأ بها لأن العرض كان سابقا ببضعة شهور على أحداث الثورة، وتوقف بعدها ثم عاد مرة أخرى كوجبة فنية دسمة، كما كتب الفنان «شادي سرور» مدير مسرح الشباب. وقد أحسن الفريق صنعا لأنه رفض أن ينغمس في حالة نفاق يختلط فيها العاطل بالباطل.
«المطعم » نص مستوحى من نص آخر للمسرحي التركي، «جونكور ديلمان» مطعم القردة الحية» أعده وأخرجه ولعب دورا رئيسيا فيه الفنان «أكرم مصطفى» الذي استطاع أن يضفي أجواء محلية على العرض إضافة إلى اللمسة الأجنبية فيه رغم خلفية الديكور الفرعونية. وتنتمي هذه الخلفية التي تزين المطعم إلى صلب الموضوع الذي جاء من أجله رجل أمريكي «رشدي الشامي» وزوجته الانجليزية «وسام صبحي»، فقد جاء لشراء تمثال نادر لأوزوريس من حسونة باشا صاحب المطعم الذي يتاجر في كل شيء ورنة تليفونه المحمول آية قرآنية «لزوم الشغل» احنا هنا نبيع أي حاجة للي يدفع أكتر ولعب الدور مجدي عبيد ببراعته المعهودة في توليد الكوميديا من العادي.يفرض الخواجة وزوجته سطوتهما بما يمتلكان من مال، وفي المقابل يجلس شاب وفتاة صالح «أكرم مصطفي» وأماني سامية فوزي حاصرهما الفقر والبطالة واليأس. وهنا أتوقف أمام قدرة المخرج - المعد - الممثل على توسيع مدلول المحاكاة للواقع، وذلك عبر إضفاء طابع عبثي على مسألة حياتية اجتماعية يومية هي البطالة، وهو ما أنقذ العرض من أسر الخطابية والشعارية اللذين كانا يهددانه بحكم موضوعه، وبدلا من ذلك دعانا للتعرف على عالمه بشكل فلسفي لنقف على جانب من الوجود الإنساني «حين يحل اليأس محل الرغبة في اكتشاف المستقبل» لدى شاب هو دارس للتاريخ، ويعرف جيدا دلالة الإله المصري أوزوريس نصير الضعفاء الذي يلوذ بعتبته المظلومون»، ورأس أوزوريس هي موضوع الصفقة، ولا يريد الرجل الأمريكي أن يشتريها من أجل تملك أثر ثمين والتباهي به وإنما لتكسيره إمعانا في إذلال المصريين والاستهزاء بتاريخهم العريق وهو يخاطب صالح المصري قائلا « أنت بدوني لا تأكل ولا تشرب ولا تمشي في الطريق العام»، وتقدم مثل هذه الكلمات في الحوار نموذجا لكيفية تحويل السياسي أي حالة التبعية إلى تفاصيل هي أساس الفن.ويبرز القتل العمد بكل ما يحمله من دلالات كأداة للأمريكي لكي يعطي لمن يقبل به مليون دولار، ويدخل الشاب «صالح» في الصفقة لكي يرسل بالدولارات لأمه واخواته الأربع وشقيقه الصغير بينما تسعى لإنقاذه تلك المومس الفاضلة التقليدية التي تجلس معظم الوقت على بار المطعم، وقد ارتدت بلوزة مكتوب عليها «بيبي» عنوانا لبراءتها من آثام عالم لا يرحم، عالم جرها هي ومئات الفتيات الجامعيات إلى أحضان رجال مختلفين من أجل العيش، ولعبت الفنانة «شمس الشرقاوي» هذا الدور ببراعة وابتكار فهي لا تشعر بأي ندم بل إن أبويها يعرفان كل شيء لكن هناك تواطؤا عاما وهو ما يذكرنا بفيلم «عاطف الطيب» دماء على الإسفلت.ويقف عازف الكمان «لؤي الصيرفي» بموسيقاه المفعمة بالشجن شاهدا على التدهور الإنساني والأخلاقي الشامل على بؤس الشاب وحبيبته، على توحش الرأسمالية الذي لا حدود له حيث يستمتع الأمريكي بالقتل الفعلي، بينما يحمل القتل هنا دلالات شتى يجسدها إله الموت الفرعوني القابع في مدخل المسرح.واضافة إلى المقابلة بين عالمين هما القاتل والمقتول اللذان يدهسهما المال ماديا وأخلاقيا لجأ المخرج إلى كسر التوقعات فنحن كمتفرجين نتعاطف مع دارسي التاريخ البائس العاطل ونحلم طيلة الوقت بإنقاذه من يأسه أولا ومن واقعه الحياتي المرير ثانيا، وإذا ما كان ذلك قد حدث فإن العرض كان سيقودنا إلى سكة أخرى تماما هي سكة الوهم المضلل الذي يوهمنا أن حلا ما سوف يأتي من مكان ما لإنقاذ البطل المحبوب وبالتالي يشجع العرض المتفرج على الاستسلام للوضع الراهن مادامت هناك معجزة ما تأتي من آخر المطاف.. ولكن صاحب العرض لم يفعل فكسر التوقعات وكان بذلك جديدا وابتكاريا رغم الروح العدمية الطاغية.كان المتفرجون - القلائل جدا- في قاعة يوسف إدريس الصغيرة من مسرح السلام كانوا جميعا جزءا من العرض فهم يجلسون في مطعم أي في ساحة متصلة هم جزء منها هو عرض جدير بالمشاهدة وبأن يضع له مسرح الشباب خطة تسويق، كما أنه يمكن أن ينتقل لأماكن كثيرة فعلى عمقه وتعدد دلالاته هو عرض بسيط ومفعم بالعاطفة والأسى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram