العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في العراق علاقة جميلة، خاصَّة إذا استبعدنا عمليات التصفية والتهجير التي قامت بها بعض الميليشيات المسلحة بحق مسيحيي العراق، بعد 2003. وبمثل هذه العلاقة يرتبط مسلمو العراق بالصابئة فيه وبقية الأقليات الأخرى. لكن هل تكشف هذه العلاقة عن ثقافة مترسخة لفهم اختلاف المختلف، وقبوله بشكل تام؟ لا بالتأكيد، لأن العراقيين عموماً، وسواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين أم صابئين، عرباً أم كرداً، لا يقبلون المختلف كما يليق بالشعوب المتحضرة أن تفعل. وما المشاعر الحميمية التي تزدحم بها فضاءات الفيسبوك، والتي توحي بأن المشاكل التي يختزنها الاختلاف الديني بين المسيحيين والمسلمين، في العراق قد تبخرت واصبحت من التاريخ، ما هي إلا غطاء سطحي يغطي على قلق هذه العلاقة. وهذه العلاقة قلقة فعلاً وهي تختزن مشاكل مؤجلة. المسيحيون في العراق ومنذ عشرات السنين لم يسببوا للمسلمين أي قلق، لكونهم أقلية، والأقلية مجبرة على احترام مشاعر الأكثرية في أي بلد، ولذلك لا يشعر المسلم بأي ضغط أو قلق عندما يسمع بالمسيحي أو يراه. لكن ماذا لو تجرأ رعايا كنيسة ما، على ممارسة حقهم بالاحتفال في أعيادهم بشكل يتقاطع مع مشاعر أو عقائد المسلمين؟ هل ستبقى العلاقة حميمة، أو هل سيتقبل المسلمون ذلك برحابة صدر وتفهم عال؟
المشاكل التي تتقافز يومياً بين سنة العراق وشيعته، لا تتقافز لأن الشيعية سيئين، أو لأن السنة كذلك، بل لأن ثقافة القبول بالشريك قبولاً تاماً، بما يتضمنه هذا القبول من احترام لكامل حقوقه، غير مترسخة لدينا. ولذلك تجد أن الشيعي الذي يعيش وسط أغلبية سنية محبوب، لأنه مسالم وهادئ ويتجنب إثارة المخاوف الطائفية، لكنه سيتحول لبعبع ما أن يحاول ممارسة أي حق يكشف بشكل صارخ عن هويته، ويجعله بموقع المدافع عنها. ونفس الحكم ينطبق على السني الذي يعيش وسط أغلبية شيعية، فهو الآخر محبوب ولا يتعرض لأي ضغط، ما بقي متخفياً ويتستر على جميع ملامح هويته.
اشعر بالارتياح عندما أتابع مظاهر الألفة التي تنطلق هذه الأيام بين مسلمي العراق ومسيحييه، وهذه الرسائل الدافئة والصادقة والنقية التي يتم تبادلها بمناسبة أعياد الميلاد على الفيسبوك، تشعرني بالراحة فعلاً، لكنها راحة ناقصة، لأننا أخفينا عُقَدِنا عن بعضنا، وسترنا الملامح التي تقزز بعضنا من البعض الآخر. وقبل 2003 كان المسلمون من شيعة العراق وسنته أكثر ألفة من أعضاء العائلة الواحدة، لكن وحش التصفية على الهوية انطلق فجأة، لأن التغيير الذي حدث جعل كل فصيل يحاول أن يضمن حقوقه، وهو ما لا يقبله الفصيل الآخر، فكل منهما لا يقبل بالشريك ولا بحقوق الشريك قبولاً تاماً، هذه هي المشكلة. في داخل كل منا وحش أناني كبير، من الجميل والرائع أن نغطي على ملامحه الكريهة، لكن علينا أن نعترف بوجوده، ولا ندعي أننا تخلصنا منه نهائياً، لأنه نائم تحت الرماد.
وحش الكريسماس نائم
[post-views]
نشر في: 25 ديسمبر, 2012: 08:00 م
جميع التعليقات 5
حسين
اتفق معك عزيزي سيد ضمد.. وأذكرك بظاهرة اجتماعية اجدها من وجهة نظري (مفتعلة بحكم الخوف ودليلا على ما ذكرته في المقال) طبعا وانا لست قريبا من معايشتها بحكم غربتي، تتكرر هذه الظاهرة في العراق خاصة في بغداد والجنوب حيث تصادف أعياد الميلاد المجيدة مع ذكرى اس
حيدر داود حمدالله
كلام جميل جداً ومنطقي في نفس الوقت وأني أراك متأثراً بأراء الدكتور علي الوردي كثيراً وهو ليس بعيب بل هو قراءة لواقع المجتمع العراقي . الاّ إني أرى السكينة والألفة التي عمت المجتمع العراقي وقت حكم الفاشية هي العصا الغليضة التي لم يكتف صدام بالتلويح بها ضد
حسين
مجرد سؤال من الذي شكل الحكم في العراق ، العراقيون ام غيرهم .. وشكل الحكم الذي تشكل بعد سقوط النظام من الذي خطط له ودعمه ، وهل كان نظام المحاصصة الذي يكرس الطائفية والعرقية هو الخيار الوحيد لحكم العراق؟؟!!!!
حيدر داود حمدالله
كلام جميل جداً ومنطقي في نفس الوقت وأني أراك متأثراً بأراء الدكتور علي الوردي كثيراً وهو ليس بعيب بل هو قراءة لواقع المجتمع العراقي . الاّ إني أرى السكينة والألفة التي عمت المجتمع العراقي وقت حكم الفاشية هي العصا الغليضة التي لم يكتف صدام بالتلويح بها ضد
حسين
مجرد سؤال من الذي شكل الحكم في العراق ، العراقيون ام غيرهم .. وشكل الحكم الذي تشكل بعد سقوط النظام من الذي خطط له ودعمه ، وهل كان نظام المحاصصة الذي يكرس الطائفية والعرقية هو الخيار الوحيد لحكم العراق؟؟!!!!