عن : أفكار عن العراق في عام 2000 بدأت وكالة المخابرات المركزية ببرنامج سري للاتصال بأقرباء العلماء العاملين في البرامج النووية العراقية و أسلحة الدمار الشامل المقيمين في الولايات المتحدة. و على مدى سنوات حاولت الوكالة تجنيد عملاء لها في العراق. الذي علمته الوكالة هو أن صدام حسين لم يعد يمتلك أي برنامج أسلحة منذ التسعينات. إلا أن ذلك لم يكن يتناسب مع منظور الوكالة للعراق،
لذا فقد تجاهلت هذه التقارير وتمسكت برأيها إن العراق مستمر في العمليات النووية وأسلحة الدمار الشامل. بعد سقوط النظام في 2003، تبين بان الأقرباء كانوا على صواب و أن الوكالة على خطأ. هذه العملية الاستخبارية الناجحة كانت مثالاً رائعاً لكيفية اقتناع الوكالة بان العراق يمتلك أسلحة الدمار وتجاهلها لكل ما يناقض هذا الاعتقاد. على مدى عقود حاولت الولايات المتحدة تجنيد عملاء لها في العراق. و كان صدام يمسك زمام كل الأمور في البلاد من خلال استخدام الكثير من الوسائل لغرض كسب الدعم الجماهيري. كما كانت هناك عدة دوائر استخبارية مختلفة تتابع قطاعات البلاد المختلفة، على رأسها إن صدام انشأ شبكة معقدة من عائلته وأقربائه من مدينة تكريت والذين يشكلون دائرته الداخلية. في التسعينيات، حاولت الوكالة و فشلت في اختراق العراق قبل وبعد حرب الخليج عام 1991. عندما صار الأمر يتعلق بأسلحة الدمار الشامل بدأت الولايات المتحدة بالاعتماد كليا على مفتشي الأمم المتحدة المتواجدين في العراق من 1991 إلى 1998. هذا الفريق كان يجول في أي موقع مشكوك فيه في العراق. وبدأت مشكلة الولايات المتحدة عندما غادر فريق المفتشين. في ظل هذا الفراغ المعلوماتي ظهر تشارلي آلين الذي يعمل مديرا لجمع المعلومات في وكالة المخابرات المركزية. في عام 1998 بدأ الين بالبحث عن وسائل جديدة لجمع البيانات عن العراق، بعد عامين توصل الى خطة للاتصال بأفراد عوائل العلماء العاملين في برنامج الأسلحة العراقية، واتصل بحوالي 30 منهم، و تحدث جيمس رايزن من نيويورك تايمز إلى احدهم، سوسن الحداد، الطبيبة التي تسكن كليفلاند في اوهيو. في مايس 2002 اتصل احد ضباط المخابرات بها و طلب منها العودة للعراق والتحدث مع أخيها سعد توفيق المهندس الذي تدرب في بريطانيا ويعمل في البرنامج النووي. أرادت الوكالة أن تعرف ما إذا كان توفيق سيكذب أو لن يجيب على الأسئلة الخاصة بأسلحة صدام. وافقت سوسن وخضعت لتدريبات دامت أسابيع. وفي أيلول انطلقت إلى العراق. عندما التقت أخاها و تحدثا، قال إن من المستحيل عليه أن يغادر العراق، ثم بدأت بالأسئلة التي هيأتها الوكالة. قال توفيق بان البرنامج النووي توقف وانتهى في التسعينيات بعد حرب الخليج لعدم توفر المزيد من التمويل، و افتقار العراق إلى التجهيزات والمواد لإعادة العمل بالمشروع وليس هناك مقترح لإنعاشه. كما فند توفيق قصة أن العراق قد حاول شراء اليورانيوم الأصفر من النيجر. سألت سوسن أخاها عن خضر عبدالعباس حمزة العالم النووي العراقي السابق الذي كتب بان صدام أعاد جهوده لبناء قنبلة ذرية، فأجاب توفيق بان حمزة لم يكن يعرف شيئا وانه يتحدث هكذا لمجرد جمع المال. أخيرا اخبر توفيق أخته بأنه يأمل أن كلامه قد يوقف الحرب لكن للأسف لم يحصل ذلك. عند عودتها الى كليفلاند اوجزت شهادة أخيها، الا أنهم رفضوا ذلك و اعتقدوا أن أخاها يكذب. العلماء الآخرون البالغون 29 الذين تم الحديث مع أقربائهم ادعوا أيضاً عدم وجود أسلحة دمار شامل او برامج نووية في العراق. أخذت الوكالة هذه المعلومات و لم تفعل شيئا حيالها لأنهم لم يصدقوا شيئا من كلام العلماء، لذا لم يتم توزيع هذه التقارير داخل الوكالة او الحكومة. و استمرت الوكالة بادعاءاتها بشأن البرامج النووية العراقية وأسلحة الدمار الشامل، و كانت حملتها بعد حرب الخليج أوسع مما قبلها وهي مبنية على افتراضات أكثر مما على أدلة دامغة. و كانت هذه هي الصورة التي قدمت للكونغرس من اجل إقناعه بضرورة الحرب. كانت قيادة الوكالة متمسكة جدا بفرضياتها عن البرامج العراقية لدرجة أنها تجاهلت الآراء الأخرى قبل و بعد 2003. في أواخر 2002 عاد مفتشو الأسلحة الدوليون إلى العراق و ذكروا في تقاريرهم أن المؤسسات التي زاروها لازالت على حالها ومغلقة كما تركوها في 1998. و في شباط اصدر المفتشون تقريرهم الرسمي إلى مجلس الأمن بعدم وجود برامج أسلحة فعالة في البلاد، إلا أن ذلك لم يؤخذ به. و بعد أحداث 2003 و عدم العثور على الأسلحة، استمر مدير الوكالة تينيت بالاعتقاد بأنهم سيعثرون عليها واستغرق الوقت عاما بعد الحرب لكي يغير تينيت رأيه. كان صدام يعتقد بان القنبلة النووية هي الوسيلة التي تجعل العراق من بين الدول الكبرى في العالم، إلا أن حرب الخليج 1991 و مفتشي الأمم المتحدة و العقوبات الدولية قد وضعت حدا لأحلامه. و قررت بغداد اخيرا غلق برنامجها و نقل العلماء إلى مرافق أخرى. كانت الولايات المتحدة تجهل كل هذا لأنها لم تكن تعرف ما يحصل داخل العراق بعد أن غادر المفتشون عام 1998. و فشلت محاولات تجنيد جواسيس داخل البلاد، لكن عندما اتصل تشارلي الين بثلاثين عالماً من برامج الأسلحة العراقية، صار للولايات المتحدة دليل قاطع بعدم وجود ما يجلب الشك في العراق. وبدلا من تحليل تلك المعلومات والحكايات واستخدامها في المزيد من البحوث
تقارير تجاهلها الاميركان: العراق لم يملك أسلحة الدمار الشامل
نشر في: 27 يوليو, 2011: 08:28 م