اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > الملحمة من التاريخ إلى المعنى

الملحمة من التاريخ إلى المعنى

نشر في: 29 يوليو, 2011: 08:36 م

1-2ياسين طه حافظلكي لا نغفل البدايات، أقول: تعبير "ملحمة" يذكرنا بـ ملحمة جلجامش والإلياذة والانيادة والأوديسة والراماياتا الهندية، وسواها من الملاحم القديمة للشعوب- وان الأدب الملحمي القديم يعكس لنا مختلف عمليات التوحيد السلالي التي تشكل فجر الحياة السياسية والى أن نصل  مرحلة توحيد الدولة. ولهذا سنبدأ من عصر فجر السلالات في العراق لنتابع ملاحم "قبل الميلاد" وصولاً إلى زماننا.
في هذه جميعا تقريباً تصوير لشخصيات خيالية وميثولوجية، كما تبدو في الظاهر المُنْتَج. وكلها، علمياً، انعكاس لواقع يتكون حتى تكتمل مقومات تأسيس الدولة فيختفي عند ذاك الطابع الميثولوجي وتبدأ "ماديّة" الشخوص والأحلام( )إن شخوص الملاحم القديمة أبطال شعبيون كل يحمل صفةً تجاوزية أو مطمحاً. كل يريد أن يحقق ما يبدو متعذراَ. إذن، هؤلاء الأبطال هم مجسّدو رغبات ومتمردون على حدود للعيش أو على موانع تصدهم عن الوصول إلى "أبعاد" أخرى. ومهما اختلفت الآراء في النشأة وأسبابها، هي هذي الطريقة التي جسدت لنا "حيوية التقدم" في الماضي، وفي المراحل الأولى لتطور "فن الأدب" والتفكير بان شخوص الملاحم هم شخوص فقط وإنهم متباعدون عن عالمهم وعن مجتمعاتهم الأولى، هو تفكير مما ابتدعته المدارس الحديثة المشاكسة، أو المعادية، للواقعية. الأفضل، في رأينا، هو النظر إلى الملحمة بوصفها لوحة تاريخية في حالة تكامل وإنها تغير ملامحها وخصائصها عبر العصور، كما يقتضي ذلك التطور. وما يقتضيه التطور يعني ما يقتضيه تطور التعبير عن حركة الشعب في الأطوار التاريخية. لذلك اختلفت أساليب الملاحم القديمة والقضايا الاجتماعية التي اهتمت بها. وحينما يكون البطل الملحمي مخلوقاً خارق القوة أو فارساً طالب ثأر أو عاشقاً أو مغامراً ...، هو في كل حال يقدم جهداً للتمكن من ظروف عالمه وذلك في العمل لتحقيق مرادٍ أو للانتصار على رادع أو عقبة في الطريق. هو، بعبارة أخرى، يُحْدِثُ شقوقاً في الضد أو في المنظومة الاجتماعية السائدة. والبطل حين ينتصر، يفتح ممراً في عالم أو مجتمع مغلق. وهذا الكلام لا يمنع من القول إننا قد نرى، في الملاحم البدائية للشعوب، الخطوات الأولى للتكوّن القومي. فبدايات التأسيس للدولة تنزع لان تكون تأسيساً قومياً في مراحل التأسيس الأولى. وهذا يقع ضمن فهمنا للحال، أعني ضمن اللوحة التاريخية التي ترسمها الملحمة وعلى قدر ما نستنتج منها. فالبطل بهذا يعبر عن مخاض مجتمع، وضمن بحث الناس عن وسائل جديدة (أو لتطوير وسائلهم) وهذا الفعل، في كل حال، هو استجابة لمتطلبات التطور البطيء لكن المهم لتكوين دولة.بقي علينا أن نجيب عن أمور تثيرها فينا الملحمة ونقاط تساؤل عن الملحمة وصلاتنا بها: 1- إن اهتمامنا العاطفي بالملاحم، أو اهتمامنا الفكري بها، لا لأننا نرى طرائف أو تصورات قديمة، هذه أوليات بسيطة، الأرسخ هو وجود حقائق عامة تصلح للناس في كل زمان ومكان. فنحن نتابع الإنسانية فيها ونبحث عن حراك الشعوب وأفكارها ونبحث عن تجاوزاتهم للقوانين المهيمنة ونرى نشاطات الروح ودفاع الإنسان عن وجوده. حركة جلجامش كانت خَرْقاً لقانون عام يحكم مجتمع "أوروك". تراكم الضيقِ بالقانون العام، عبر السلالات، تحوّلَ إلى طاقة  انفجارية في شخصية "بطل" لا يُدْحَر. هو بين ملك واله. أو هو ملكٍ يريد أن يتكامل إلهاً. أي يكون قادراً كلياً ومنتصراً يحقق ما يريد!ومع أن حركات البطل وأقواله هما موضع الاهتمام في الدراسات التقليدية، فان دراسات أخرى حديثة تستفيد كثيراً من التفاصيل الجانبية ومن بعض الإشارات مما جعل الملحمة مصدراً جغرافياً، تاريخياً واجتماعياً فليس المعنيون بالأدب وحدهم وجدوا ضالتهم في الرقيم الملحمي أو في ملاحم الشعوب والعصور الأخرى، غير الأدباء أيضا أفادوا منها. فهم وجدوا ويجدون معارف أخرى ومعلومات قابعة في ثنايا الجو الملحمي وبيئاته  ونثار أقواله مما تكشفه سطور الملحمة المتوالية.البطل في الملحمة فرد. ولكنه يعبر عن مضمون مجتمع، وتحرّكه حصيلة توجّه شعبي. بعض الدارسين تساءلوا لماذا يجد الحاكم أو الملك متعته في قراءة الملحمة ويجد العامة أيضاً متعتهم فيها؟ ما هو المشترك؟ أم كل يرى فيها أمرا يهمه؟ أكيد إن انتصار البطل، إن كان إنسانا مهملاً أو كان ملكاً، يعني الملك (القارئ خارج الملحمة) كما تهم العامة مقاومة الخصم- أو الواقع. كما يعني الطرفين وتعنينا اليوم حركة الحياة وهي تتقدم. هناك مشترك مضمر مهم.2- في جانب آخر من الموضوع، يقال بان ضعف الأداء، أو صعوبة تسلم الإشارة بسبب المسافة بيننا وبين ما يرمز إليه النص، هو ما أخفى إلاشكال الاجتماعي فيه، والذي كان من قبل وراء الاهتمام بالملاحم وسبب انحسار جمهور من قراءه الملحمة في وقت تزايد فيه جمهور دارسيها وأساتذة النقد الأدبي، وأساتذة المجتمع والبيئة، حتى صرنا نقرأ الملحمة في أكثر من فلسفة ومنهج. الأسباب البحثية واضحة. أما القارئ متوسط الثقافة والأديب غير المتخصص، فلا يستطيعان اجتياز المسافة الفاصلة التي اشرنا إليها والتي تبعده عما يرمز له النص أو يشير إليه من بعد. الكتابة الملحمية تنحو أصلا منحى رمزياً عدا هذا تفقد قيمتها بعد عقد أو عقدين من ظهورها.ولكي يتمكن القارئ من "مضامين" النص يحتاج لان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram