بغداد/ أكرم عزيز يجتمع عدد من عناصر الشرطة الاتحادية في إحدى غرف المقر لتبادل الحديث وبعض النكات وأغاني الموبايل، ويسرد كل منهم حكايته وكيف انضم الى سلك الشرطة. حتى جاء دور احمد الذي لم يكن يعلم بان مشواره لأربع سنوات في الجامعة، تحمل خلاله التعب والجهد المتمثل في الدراسة و مشقة الطريق فضلا عن نفقات الجامعة الباهظة التي ذهبت أدراج الرياح.
احمد تحدث عن الأمل الذي بدأ بالتلاشي يوماً بعد يوم وتحولت بسمة الفرحة بالتخرج إلى غصة، بعد ان أدرك ان الكلية التي تخرج منها ليست في حسبان أية مؤسسة حكومية،وكأن طلابها يدرسون كل هذه السنوات من باب رفع العتب! كلية العلوم السياسية هي إحدى أرقى الكليات في العالم، ومن أهم الاختصاصات وأكثرها تفاعلا مع حركة الدولة والحكومة ومؤسساتها ذات الطابع السياسي والدبلوماسي،و أصبحت الجامعات تعترف بعلم السياسة كعلم أو فرع من العلوم الاجتماعية والإنسانية منذ نهاية القرن التاسع عشر، وترسخ هذا الاعتراف بإنشاء كل من المدرسة الحرة للعلوم السياسية في باريس عام 1872 ومدرسة لندن لعلم الاقتصاد والسياسة، وقد تأكدت أهمية هذا العلم باعتماده كمادة للتدريس في الجامعات الأوروبية بصفة عامة والجامعات الأميركية بصفة خاصة. كما كان العراق من اوائل الدول العربية التي قامت بتدريس هذا العلم وكانت جامعة بغداد هي أولى الجامعات التي قامت بتدريس هذا التخصص في البلاد العربية، إذ تم تأسيس قسم العلوم السياسية في جامعة بغداد عام 1959 وكانت ثمرته تخريج أعداد كبيرة من المتخصصين في العلوم السياسية من العراقيين ومن العرب والأجانب. أفواج العاطلين هذا التأريخ المشرق يواجهه المئات من المتخرجين من كليات العلوم السياسية في جامعات بغداد والموصل والمستنصرية يتوزعون في طابور العطلة المستديم، ومن المعروف للقاصي والداني أن في العراق جيشاً من المتخرجين العاطلين عن العمل،و لا توجد إحصائيات رسمية عن عدد العاطلين في العراق، لكن إحصائية صدرت عن منظمة الأمم المتحدة، قدرت نسبة العاطلين عن العمل بنحو 30% من القادرين عليه، أما إحصائيات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فتشير إلى أن أكثر من 142,000 عاطل عن العمل تقدموا بطلبات تعيين من بينهم 65% من حملة شهادتي الدبلوم والبكالوريوس، لكن حتى المسؤولين في وزارة العمل لا يعولون على هذه الأرقام كثيراً، وهناك العديد من المؤشرات تدل على وجود أضعاف هذه الأرقام، لكن بالمقابل بعض التخصصات قد يستطيع خريجوها إيجاد فرصة للعمل تتعلق بدراستهم، والبقية يعملون في خارج اختصاصاتهم. يشير مراقبون إلى ان عمل الخريجين بعيدا عن اختصاصاتهم سيؤدي إلى هدر في الموارد البشرية والمالية، فالأموال الكبيرة التي تخصص للجامعات وللمعاهد في سبيل إكمال الطلاب لدراستهم تعد هدرا للمال العام لأنها تذهب دون فائدة لان ما يدرس لطلاب الجامعات لا يعملون به.الوظائف تضيق أمام الخريجين وفي الوقت الذي يتوسع فيه التعليم العالي في العراق من خلال استحداث العديد من الجامعات الجديدة، فان فرص الحصول على وظائف في الدولة بدأت تضيق أمام الخريجين، وفي النهاية تحولت الجامعات إلى مخزن لتفريخ افواج جديدة من العاطلين، خاصة اذا ما أدركنا ان هذا التوسع لم يجر على وفق ضوابط وأسس علمية مدروسة وضمن خطط معدة لحاجة العراق من الملاكات والكفاءات العلمية، ولهذا يجب ان تخضع هذه العملية (استحداث جامعات جديدة) الى دراسة بعيدة المدى، وإلا ما الفائدة من أفواج طلبة يحملون شهادات وهم فائضون عن الحاجة؟ أن ما يميز خريجي كلية العلوم السياسية هو عدم وجود مؤسسة او دائرة او حتى حقل معروف ومحدد يستوعب أعدادهم فمعظمهم لا يعرفون اي طريق يسلكون , احمد سعيد تخرج قبل أكثر من 5 سنوات من كلية العلوم السياسية من جامعة بغداد، وحمل احمد شهادته بيديه وراح يطرق أبواب وزارات الدولة ومؤسساتها الرسمية وشبه الرسمية، لكن لا حياة لمن تنادي. ودائما هناك أجوبة جاهزة (ليس لدينا شاغر) و(لدينا فائض) و(الملاك لا يسمح)، وكان أكثر الأسباب رفضا وحيرة هو أن اختصاصه لا يتناسب مع عمل هذه المؤسسات ولا يقدم أية فائدة لها، مما اضطره إلى سلوك طريق آخر بعيدا عن اختصاصه. يقول احمد: عملت في المطاعم وفي بسطيات بغداد الجديدة حتى ضاقت بي السبل وذهبت إلى سلك الشرطة منتسبا لكن لم استطع أن ادخل في الدورات التي تنظمها وزارة الداخلية لتخريج ضباط شرطة لان معظم الدورات لا تطلب خريجي علوم سياسية. تخصص دقيق،علاء السامرائي خريج آخر انضم الى سلوان لكن بالجيش العراقي بعد ان وقف محتارا ماذا يفعل بشهادته التي قضى سنوات يحلم بالحصول عليها، يعتقد السامرائي ان تكثيف الاختصاص في الكلية انطلاقا من المرحلة الأولى وحتى الأخيرة قد يعوض ما يفتقر إليه هذا التخصص من قلة فرص العمل، فربما الاختصاصات الدقيقة تفتح مجالات عمل أوسع ويستطيع المتخرج ان يعمل في أكثر من دائرة او مؤسسة بدلا من اقتصاره على عدد معين.بين طلاب اليوم وأمس ويقول موفق سعدي (تخرج من الكلية قبل سنتين ويعمل بمحل موبايلات): خريجو اليوم يختلفون عن خريجي الأمس، اختلافا كبيرا ولعل طلبة العقود الماضية، كانوا يدخلون الجامعة وهم مرتاحو البال، لان هناك من يضمن لهم فرص العمل في ضوء الاختصاص، ولاشك في هذا فالدولة
العلوم السياسية: المؤسسات الحكومية تعتذر عن تعيين خريجينا!
نشر في: 29 يوليو, 2011: 09:22 م