(1) إحسان شمران الياسري لقد كانت العشيرة إحدى مراحل تكوّن المجموعات البشرية عبر التأريخ.. وهي المرحلة الوسيطة من البناء المجتمعي بين شكل الدولة الحديثة والنموذج الآخر لإدارة الحياة.. نموذج السلاطين والأمراء وزعماء المناطق.. وحتى زعماء الحرب.. ولقد كانت تلك المرحلة ضرورية لصيانة حقوق الأفراد، وممتلكاتهم، وحياتهم ايضاً.. وتبلورت في هذا المناخ البدائي قوانين الحياة (البدائية) التي قامت على نواميس شتى، ابتدأت من نواميس المغارات والصيد، فالنواميس الدينية والروحية والأبوية.
وعندما قامت الدول بأشكالها المعروفة، تراخت قوانين العشائر وانزاحت لصالح القوانين الوضعية الأكثر رُقياً وفهماً لوظيفة الإنسان الفرد وموقعه الاجتماعي وأُسس حقوقهِ التي أغفلتها العشيرة لصالح الأب والقائد والرمزية وسنابك الخيول. ولم تعد لبلاغة الفرد ونجابته وولائه إلا قيم محدودة في مقابل القيم التي رُفعت للسيف والأريحية الزائفة.ولقد ظلت للعشيرة في الشرق مكانتها المستمدة من عدم صيرورة دولنا دولاً مدنية، يكون التمكين الأول فيها للمواطنة ثم المواطنة.. حتى إن أفراداً من دول استقروا في دولٍ أخرى أصبحوا رؤساءً لها وقادة أحزاب لمجرد حصولهم على جنسيتها، لأنهم ببساطة أصبحوا مواطنيها.. أما في بلد مثل العراق، فلم تستطع كل الحكومات التي تعاقبت على إدارة البلاد منذُّ تأسيس الدولة العراقية الحديثة من إزاحة قوانين العشائر وضوابطها وتوابع إرهاصاتها على الناس.. بل إن حكومة تدّعي السعي لإقامة دولة مدنية قائمة على أُسس المواطنة الرشيدة، تحاول بلا هوادة إنعاش ظل العشيرة على المجتمع، بل هي أنشأت وزارة لشؤون العشائر في تلميح لا معنى له، بأن العشيرة هي أساس الحكم وموطن الحراك المجتمعي.. وإنها بدون مساهمة العشائر ودعمها لا تستطيع إنفاذ القانون وحماية السلم الأهلي!. ولستُ هنا للخوض في المُباح والمحظور من هذا المنهج الذي تحاول الحكومة من خلاله البحث عن رافعات إضافية لمساعيها للإمساك بشؤون الأمة، غير أننا نتساءل عن دور الحكومة و وزارة العشائر في ما يدور من ممارسات عشائرية تعدّت المعقول والمقبول، وتوطّنت في أقاصي ما يسمح به العقل من تصديق. إن فصلاً جديداً من تاريخ الدولة العراقية تبنيه تقاليد عشائرية لا فائدة منها.. وعلى الدولة ان تتعقّل كثيراً في دراسة هذا الموضوع، فهو في أحسن الأحوال، نمط جديد تماماً على مجتمعنا، إذ يُطرح القانون جانباً، وتنهض نواميس تُقيدّه، وتحطّ من قدره أحياناً. وإذ مثّّل قيام الدولة الحديثة إنقاذاً للمجتمع من سطوة العشيرة، وجبروتها، وسحقها لكل ما له صلة بالذات الفردية، فإن التحول الحالي في المجتمع يتجه الى القضاء بلا رحمة على كل ما اكتسبه الإنسان الفرد من قيام الدولة، والعودة به الى أزمنة السلطة المطلقة للعشيرة والشيوخ. وثمة أمثلة لا تحصى على سلوك الحراك العشائري الذي غيّب الدولة وهيبتها وصار وسيلة بطش كبرى بالناس. وصار النزول عند حكم العشيرة والفصل العشائري أمراً مرعباً للناس والعائلة العراقية. والامثلة كثيرة ويعزّ عليّ إدراج نماذج منها لأنها مؤلمة وشاقّة على مجتمعنا.. إذ أصبح الكلام عن تبعات مالية بعشرات الملايين، إن لم تكن بالمئات.وللحديث بقية.
على هامش الصراحة:الدولة المدنية وسلطة العشيرة
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 31 يوليو, 2011: 07:20 م