هاشم العقابي رغم ان مصطلح "البوري" شاع بين العراقيين بعد خروجي للمنفى، إلا أني وجدت نفسي استعمله في أكثر من مقام ومقال لسببين. الأول هو إني لا ألاقي صعوبة في فهمه. فلو ذهب عراقي إلى واحد من مكاتب السفر أوعده بفيزا لإحدى الدول، ثم عاد ليقول لك: "انضربت بوري" ستعرف أن المكتب قد ضحك عليه. والثاني هو أن داعيكم قد ضرب بأكثر من "بوري" من اقرب الناس إليه إلى أبعدهم عنه.
ضربات فضلت أن انشرها بكتيب لا بعمود أو أعمدة. خلاصة فهمي لمعنى "ضربة البوري" هي أن يقع المضروب به ضحية الخديعة بالمظاهر والوعود الكاذبة. ورغم أن حكاية "البوري" قد بدأت من قصة كيس البطاطا الشهيرة، لكن يبدو أنها اتسعت اجتماعيا وسياسيا لا بل وإعلاميا أيضاً. فليس من الغريب، مثلا، أن نسمع اليوم قول كثير من العراقيين: إن من انتخبناهم ضربونا "بوري". أو قول احد المتظاهرين: الحكومة ضربتنا "بوري". أما آخر "بوري" ضربت به فقد كان خبرا إعلاميا. الخبر هو أن هناك مهرجانا نظمته القوى الوطنية الرافضة للأقاليم الطائفية. مهرجان كهذا قطعا يثير انتباه المهتم بالشأن العراقي، سواء كان إعلاميا أو مواطنا عاديا. ولان أحداث التصويت على حجب الثقة عن مفوضية الانتخابات وما تلاها من تصويت على ترشيق الوزارة والمنهاج الحكومي كانت ساخنة جدا، لذا ارتأيت أن أتمعن أكثر بخبر المهرجان فلعل فيه ما يستحق الكتابة. وفعلا عدت اليه اليوم بعد ان خزنته في خانة المفضلات. لم اطالع بالخبر شيئا واحدا له علاقة بمكافحة الطائفية. كل ما في الأمر هو هجمة على كلمة "الفدرالية" التي جاءت بالدستور. والحجة كما أوردتها الشبكة التي رعت المهرجان إعلاميا، هي أن: "هذا ما يرفضه الشارع العراقي وما ترفضه دول الجوار مثل سوريا وتركيا وإيران". عن أي شارع يتحدثون؟ أليس هم العراقيون من صوتوا للدستور أم غيرهم؟ وهل صاحب الشبكة أو غيره من العراقيين كان قد تدخل بدساتير الدول التي ذكرها، كي يطالبنا برعاية مصالحها؟ثم تكشف الشبكة المتحمسة للمهرجان، قلبا وقالبا، عن لبة هدفه بوضوح لا يقبل الشك، بقولها: "يجب تغيير كلمة العراق الفيدرالي في نص الدستور العراقي وإلغاء فكرة الأقاليم، مع منح امتيازات خاصة لكردستان العراق في الحكم الذاتي كما فعلها نظام صدام، وعلى الأكراد القبول بذلك". استغرب أنهم لم يضعوا جملة "حفظه الله" بعد اسم صدام كي تكمل السبحة.لم اسمع من قبل أن تحارب الطائفية بسلاح العنصرية. ثم أي امتيازات حصل عليها الكرد من نظام صدام غير رش حلبجة بالكيمياوي وانفلة عشرات الآلاف منهم على الهواء مباشرة؟ مما يثير الغرابة ان يحظى المهرجان بتغطية خاصة من احدى القنوات الفضائية المنعمة بحماية حكومة اقليم كردستان. والاشد غرابة ان يكون المهرجان برعاية ومباركة النائب شاكر كتاب الذي يفترض به، مثلما يدعو لمحاربة الطائفية، ان يكون حاميا للدستور ومدافعا عنه بأن لا يسمح بتمجيد النظام السابق بدوافع عنصرية مفضوحة.حقا كنت متحمسا لأكتب اليوم عن أهمية المهرجانات المناهضة للطائفية متخذا من المهرجان الذي حدثتكم عنه نموذجا. لكن حين اطلعت على تفاصيله اكتشفت إنني ضربت بـ "بوري امعدّل". كنت أظن أن المثل القائل "الظرف يبين أو ينعرف من عنوانه" صحيح ودقيق. لكن اليوم ثبت لي ان محتوى المكتوب قد لا يتطابق مع عنوانه مثلما حدث مع "البوري" المخبأ في "كونية البتيتة" او مع الذي ضربني به أصحاب المهرجان.
سلاما يا عراق :خوش "بوري"
نشر في: 31 يوليو, 2011: 09:35 م