TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > السطور الأخيرة : عصـــا مـوســــى

السطور الأخيرة : عصـــا مـوســــى

نشر في: 1 أغسطس, 2011: 06:58 م

 ســلام خـياط استعنت بدائرة الخدمات الاجتماعية لترفع عني حيفا وسوء فهم تسببا باقتطاع جزء من راتبي التقاعدي الشديد التواضع، زارتني في سكني موظفة منهم لتطلع على الأوراق والأسانيد التي تدحض القرار، ولتدبج بعدها رسالة بلغة إنجليزية سليمة، تدعوهم لإعادة ما استقطع من راتبي دون وجه حق..
عند تناول أطراف الحديث، كتبت في دفتر ملاحظاتها توصية لمنظمة الخدمات تطلب الحصول على سماعة أذن متطورة (التحكم عن بعد) وأنا أشكو لها حرجي من تشغيل التليفزيون في هدأة الليل خشية إزعاج الجيران، اقترحت وهي ترى أدوية الروماتزم مصفوفة على المنضدة –تزويدي بدكة خشبية مكسوة بنسيج قطني تساعدني على اعتلاء السرير أو الوصول لرف عال دون مشقة، ثبتت في الدفتر حاجتي لمسند في الحمام يساعدني على التوازن ويقيني من مغبة السقوط، زودتني برقم هاتفها ووعدت بتكرار الزيارة للاطمئنان على ما استجد من أمور.بعد مغادرتها، فكرت طويلا: كيف سأرد لهذه الغريبة جميلها، وهي لا تعرفني وليست من بني قومي أو ديني، ولا لغتها لغتي، ولا بلدها بلدي.؟؟اعتزمت شراء هدية مناسبة تعبيرا عن الامتنان.:: قارورة عطر مثلا؟ لا، فأنا لا أعرف عطرها المفضل. ربطة من حرير؟؟ لا.. فأنا أجهل لونها الأثير.. علبة حلوى؟ قالت إنها لا تتعاطى الحلويات بشغف. قرطا؟ قلادة؟ لا. أخيرا حسمت أمري في أمر الهدية..(بطاقة شكر معبرة مع مبلغ من المال).في زيارتها التالية، وبعد أن اطمأنت على رد حقوقي وتزويدي بما طلبت من معدات. ناولتها – على استحياء والله— الظرف الورقي، اختلجت جفونها وهي تسأل: ما هذا؟ بطاقة شكر وعرفان.. قلت. انبسطت أساريرها وفتحت المظروف بعناية، وما أن لاحت لها الأوراق النقدية حتى تغيرت سحنتها وخشنت لهجتها: ما هذا؟؟ نقود، ألا تدرين إننا نتلقى رواتب، وساعات عملي مدفوع ثمنها؟؟ قلت وقد تعرقت جبهتي حرجا وخجلا:: كنت أعتزم تقديم هدية، وخانني الاختيار. قالت: أتدرين إنني قد أتعرض للطرد وتتلوث سيرتي الذاتية لو اكتشفوا إنني أتلقى هدايا من أي نوع لقاء خدمتي؟؟ تلعثمت ودمدمت بكلمات اعتذار، ويقينا إنها أشفقت على هذي الغريرة وهي ترى مدى الحرج على قسماتي،، ابتسمت وعادت تقلب (الظرف)، تستل منه الأوراق النقدية، تضعها على الطاولة، وتنبسط أساريرها وهي تفض البطاقة وتقرأ ما فيها بصوت عال:: شكرا لك وللمؤسسة، لقد أنقذتموني من ورطة، لم أكن أدري كيف أتفاداها. هذي هي هديتي، سأضعها على مكتبي كشهادة جدارة! قالت بحنو بالغ.وهي تهم بالانصراف: هل يصلح هذا النموذج للتطبيق في العراق؟؟ فيدان المعلم الذي ينجح طلابه الخائبون، بثمن، أو يجرّم (بتشديد الراء) مدير المؤسسة الذي يغض النظر عن خرق أو تجاوز بسبب صرة مال؟؟ أو رئيس كتلة ينتفخ رصيده إثر كل تصريح مشاكس؟القانون مناخ وليس طقسا متقلبا، القانون تربية وبيئة صالحة ونهج حياة.. السيدة الموظفة ربيبة قانون نافذ وصارم، تهابه كإله وتحترمه كمقدس، ونحن الذين نتبجح بأننا آباء القانون وأولياؤه، نمتطيه كمطية حينا، نتكئ عليه ونهش به على الغنم -- كعصا موسى- حيناً.. ونعزف على أوتاره حين يجد الجد!!.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram