هاشم العقابيبعيدا عن تقييم الأسباب، يظل ما حدث في الثاني من آب عام 1990 زلزالا كارثيا، لم يتخلص العراقيون من توابعه المدمرة،اليوم، رغم مرور 21 عاما على حدوثه. فهو السبب المباشر لفرض الحصار الذي صب مصائب على رؤوس العراقيين، والتي لو" صبت على الأيام صرن لياليا". ناهيك عما سببه من فقدان للأرواح والممتلكات وخراب عم البنى التحتية والفوقية بطريقة ربما لم يحدثها اشد زلزال كوني في اي بلد بالعالم.
لا أظن أن من يتذكر ذلك اليوم، سواء كان بالعراق أو خارجه، لا يستحضر مرارة ما حدث. يوم اقل ما يمكنني قوله فيه هو أنه غيّر وجه العراق وربما إلى الأبد. صار الإنسان العراقي يتحسر على لقمة هانئة أو نومة مريحة. وتحول الدينار إلى مجرد أوراق بالية. نساء وأطفال باتوا بعد ذلك يفترشون الأرصفة لبيع حتى ما لا يمكن بيعه أو يبحثون في الزبالة عن فتات خبز متعفن. وأصبح العراقيون شذاذ آفاق يهربون نحو هذا البلد أو ذاك بعد أن كانوا يفضلون الموت على فراق الوطن. وفي الطرف الآخر كان هناك شعب آخر دفع ثمنا قاسيا ومريرا أيضا. إنه شعب الكويت الذي احتُل بلده بفعل قرار أرعن من حاكم أهوج يقود شعبا لم يكن له حول أو قوة. لقد تشرد الكويتيون ونهبت بلادهم وقتل منهم من قتل وفقد منهم من فقد. لست هنا بصدد تقليب المواجع أو قراءة "مقتل" أيام احتلال الكويت، بقدر ما أريد أن أناشد الكويتيين قبل العراقيين من باب "فذكر إن نفعت الذكرى". اذكرهم لأن رائحة انتقام وتشفٍ صارت ترتفع هذه الأيام في إعلامهم تنذر بحرب قد تفتق جروحا ما زالت لم تندمل. اغلب العراقيين، خاصة مثقفيهم، قد تعاطفوا مع أهل الكويت يوم احتل صدام بلدهم. فالعراقيون يعرفون جيدا ماذا يعني اختيار علي حسن المجيد حاكما محليا لدولتهم المغتصبة. ويعرفون أيضا مصائب الحرب لان جراحهم التي سببتها الحرب مع إيران كانت ما تزال تنزف في ذلك اليوم المشؤوم.كنت يوم احتلال الكويت طالبا بمدينة كاردف التي تقع غرب لندن مسافة ساعتين بالسيارة. كان اغلب الطلبة الكويتيين في تلك المدينة، قبل ذلك اليوم، من عشاق صدام ومؤيديه. يحضرون حفلات حزب البعث ويساهمون في إحياء عيد ميلاد صدام ومناسبات "انتصاره". وكان فيهم من صورته في بيته جنبا الى جنب مع صورة أمير الكويت. ووصل الأمر ببعضهم أن كان يكتب للسفارة العراقية بلندن عن تحركاتنا المعارضة لصدام. أسماؤهم محفوظة بذاكرتي المرة حتى اللحظة. وفي الكويت كان هناك جمع كبير من المثقفين ورؤساء تحرير الصحف والشعراء يمجدون صدام وينكلون بمعارضيه. وما احمد جار الله وسعاد الصباح إلا غيض من فيض من هذه الأسماء. وللتاريخ اذكر انه حين ضاقت بي سبل العيش ببريطانيا في العام 1987، اتصلت بالشاعر الكويتي المرحوم فائق عبد الجليل. كانت تربطني به علاقة صداقة تكونت من خلال اشتراكنا سوية في مهرجان شعري بالبصرة في منتصف السبعينيات. طلبت منه أن يوفر لي فرصة عمل كتدريسي بإحدى جامعات الكويت. تعذرني بقسوة متحججا انه يجب علي أن استحصل موافقة السفارة العراقية أولا. ثم أنهى المكالمة بنصيحة "أخوية" مختصرها: انه من الأفضل أن أعود لبلدي لأنه في حالة حرب وان اغتنمها فرصة لنيل "شرف" المساهمة فيها.كل ذلك كان يحدث لنا، ولم نحقد على احد أو نشمت به يوم احتل صدام بلده. بل على العكس تماما. فقد نسي عدد غير قليل من المثقفين والسياسيين العراقيين المواقف السلبية "لاشقائهم" من الكويتيين ومثلهم كثير من العرب، واصطفوا مع المظلوم الذي كان يظلمهم في ايام شدتهم. وللحديث صلة.
سلاما يا عراق: نحن والكويتيون
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 1 أغسطس, 2011: 08:59 م