علي حسينهل نحن دولة فيها حكومة ودستور وقانون ولها علم ونشيد؟ مسألة العلم والنشيد هذه أمور لم يتفق عليها السياسيون بعد، فمنهم من يريد صورته في العلم ومنهم من يصر على نشيد "نحن الأحباب لنا الغد والمستقبل والحاضر"، أما موضوع الحكومة والقانون والدستور فتلك محل شك خصوصا لو حاولنا أن نفكر بعقل وننظر بعين ثاقبة إلى علاقة الحكومة بما يجري من قضايا الفساد في البلاد،
فقد كنا ونحن نعيش عصر دولة القانون نتمنى أن نجد الحكومة ملتزمة بالشفافية فيما يتعلق بملفات الفساد التي أحيلت للقضاء ، لكن للأسف، كل ما يصدر عن الجهات المعنية عقب كل ملف فساد هو عبارات مقتضبة تتحدث بشكل متعجل وغامض عن الشفافية والنزاهة وهي كلمات فقدت معناها من كثرة الاستعمال الحكومي على نحو جعل الناس نهبا للسخرية واللامبالاة . قبل أن تتحول ملفات الفساد إلى حديث الصباح والمساء في كل شبر على أرض العراق خرج علينا السيد المالكي في ولايته الأولى بتصريح بث الرعب في المفسدين حين قال إن الحكومة لن تتهاون مع الفساد وانها بصدد فتح كل الملفات المتعلقة بنهب المال العام، وقبل الانتخابات الأخيرة صدعت قائمة دولة القانون رؤوسنا بشعارات النزاهة والشفافية حتى ان البرنامج الانتخابي للقائمة اكد في إحدى فقراته على "أن القضاء على الفساد ومراقبة أداء المسؤولين والعاملين في الدولة سيأخذ الأولوية القصوى لدينا، وسنعمل على تنفيذ الإجراءات القانونية بصرامة على المسؤولين في جهاز الدولة حتى نجعل الحكومة العراقية خالية من مظاهر الرشوة والمحسوبية والمنسوبية"، كان رئيس الوزراء في ذلك الوقت يدشن ما وصفته أكثر من مرة بـ"تجارة الخطب والشعارات"حيث جرى اقتياد المجتمع بأسره إلى محرقة الشعارات السياسية وظل الناس يستقبلون كل يوم حديثا طويلا ومكررا عن العمل على ملاحقة المتورطين بعمليات الفساد بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية ودرجاتهم الوظيفية، ثم جاءت الطامة الكبرى بقرار غلق ملف قضية وزير التجارة السابق فلاح السوداني الذي اتهمته لجنة النزاهة البرلمانية بالضلوع في قضايا فساد مالي وإداري. قضية فساد وزارة التجارة عادت للواجهة من جديد وهذه المرة كان بطلها وزير لشؤون البرلمان صفاء الدين الصافي والذي لم يشمله الترشيق حيث أصدرت لجنة النزاهة البرلمانية قرارا بإحالته إلى القضاء في صفقة الزيوت الفاسدة والتي تمت ايام كان يشغل منصب وزير التجارة بالوكالة ، الأمر الذي دفع عضو لجنة النزاهة البرلمانية صباح الساعدي ليصرخ بأعلى صوته من إن "مذكرة الاعتقال الصادرة بحق وزير الدولة صفاء الدين الصافي يجب أن تنفذ"، مبينا أن "الصافي موجود في المنطقة الخضراء برغم أن هيئة النزاهة أرسلت مذكرة الاعتقال إلى رئاسة الوزراء والى الأمانة العامة لمجلس الوزراء". وهنا دعونا نتساءل؛ هل الحكومة تملك حسا فكاهيا عاليا، أم أنه اختلط عليها تعريف مصطلح "الفساد في العراق ومدى حجمه"؟ بالأمس أطلق الساعدي تصريحه المدوي في الوقت الذي صمت فيه السيد المالكي الذي كان قبل أشهر قد تحدث بإسهاب عن رؤوس الفساد التي حان أوان قطفها ، أغلب الظن أن المالكي لم يكن يضحك علينا عندما أطلق مصطلحه الكوميدي عن الشفافية وترسيخ دولة القانون، وبالتالي فعلينا أن نلفت نظره لبعض الحقائق التي لا تخفى على رجل مثله يعرف كل شيء واي شيء . الى متى سيظل أعضاء نادي الفاسدين واللصوص وسارقي أموال الناس بمأمن من العقاب ، وهل ستواصل الحكومة منهجها في التستر عليهم وعدم تقديمهم للعدالة إلا بعد سفرهم خارج البلاد.أمثلة كثيرة ووقائع تم توثيقها من قبل أجهزة رقابة الدولة وهيئة النزاهة، فساد يخاف البعض الاشارة إليه، لأنه للأسف توجد مافيات حكومية تحمية وتوفر له غطاء شرعيا ، ثم إن الأخطر من كل ذلك هو خلق المناخ الفاسد الذي يدمر جهاز مناعة الناس الأخلاقية ويجعلهم يقبلون الفساد وكأنهم يشربون الشاي .للأسف تركت مؤسسات الدولة للانتهازيين واللصوص الذين لم يجدوا من يردعهم ففرضوا سطوتهم وقسموا البلد إلى دويلات وممالك صغيرة فيما بينهم وكل ذلك طبيعي للغاية طالما يحكمنا مسؤولون طالبوا بنصب المشانق صراحة لكل من تسول له نفسه الخروج في تظاهرات سلمية تطالب بالإصلاح.. وطالما أن في العراق سياسيين لا يشعرون بالخجل ولا بوخز الضمير وهم يرون ملايين العراقيين يعيشون تحت خط الفقلر محرومين من ابسط الخدمات التي تتمتع بها شعوب لا تملك واحد بالمئة من ثروات العراق.سؤالنا للدكتور صفاء الدين الصافي، إذا كنت بريئا مثلما تدعي، فلماذا لا تذهب الى المحكمة وتفضح السراق الحقيقيين؟ والسؤال الأهم للسيد المالكي ، إذا كانت قضية السيد الصافي لا تصنف فسادا فما هو الفساد في نظركم؟
العمـود الثامـن: فريضة الدفاع عن الصافي
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 1 أغسطس, 2011: 10:27 م