TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > سلطة النقد وأوهام القداسة

سلطة النقد وأوهام القداسة

نشر في: 2 أغسطس, 2011: 09:40 م

أحمــد عبد الســادة لا شك في أنّ نقد التراث العربيّ الاسلاميّ بكل تعاليمه وبكل تداعياته الفادحة وبكل أوهامه (المقدسة!) وبكل آبار مفاهيمه التي ما زالت الى الآن تزود حقول الحاضر بماء مسموم، أقول: أن نقد ذلك التراث – بشكل موضوعي وكامل – لا بد من أن يتطلب إشهار مشارط نقدية صارمة وجريئة وصادمة ايضاً، مشارط نقدية لا تؤمن بشيء اسمه الخطوط الحمر ولا تخضع لسطوة المقدسات التي تزدحم بها خرائط الشرق
والتي جعلت بين العقل وبين تحقيق وجوده سداً عتيداً، مشارط تأخذ على عاتقها اجراء عمليات تنقيب عارمة في جسد تراثنا من اجل الكشف عن اورامه الخفية وامراضه وتشوهاته كما تطمح الى ارباك ومحاصرة وتفتيت سطوة المفاهيم الدوغمائية التي تعيق وتحارب العملية النقدية والتي ترى بأنّ مجرد المساس بها والتعرض لها يعرض المنتقد – بكسر القاف – الى القتل.تلك المقدسات الضارية والمفاهيم الدوغمائية السامة التي ينوء بها ظهر الشرق اصبحت امام نبض النقد مثل مقاصل مجنونة وحبال اعدام مستعدة لمعانقة الرقاب لابسط سبب وبنادق مسعورة توجه الى صدر كل مختلف معها، وهذا العنف بالتأكيد يحاول ان يصنع مبرراته بالاعتماد على الادعاء القائل بأن اتباع تلك المقدسات وعبيدها يحتفظون بسلطة الحقيقة المطلقة في تلافيف معتقداتهم ولذلك فهم يرون ان من حقهم ان يحموا تلك الحقيقة بالطرق التي يرونها مناسبة ليحافظوا بذلك على هداية الناس كما يقولون وكي يحققوا على الارض ما يريده الله منهم في عرشه السماوي!!.من الطبيعي أن نعادي نبض الموضوعية اذا قلنا بأنّ كل ملامح التراث تقبع في منطقة سلبية لان هذا التعميم من شأنه أن يكرس صورة متطرفة وغير حقيقية، وبالتالي يكرس صورة احادية ظالمة لهذا التراث، فكل تراث في العالم هو بالضرورة خارطة ذات ضفتين ايجابية وسلبية، وهذا ينسحب بالطبع على التراث العربيّ الاسلاميّ، غير إنّ من البديهي القول أنّ الضفة السلبية في تراثنا قد احتلت مساحة أكبر وتضخمت وتعملقت بمرور الزمن الى درجة أصبحت أمامها الضفة الايجابية محكومة بالضعف والضآلة وعدم الفاعلية، إذ إنّ أغلب المعطيات التأريخية المتسربة من تراثنا كانت مسؤولة بشكل مباشرعن انتاج سياقات وأنساق ومفاهيم كارثية ومدمرة  هي الآن تحكم حاضرنا وتطبق على رقبته بقوة مستعارة من قاموس التوحش والبربرية والظلام البدائي. يبقى هناك سؤال يتردد باستمرار:هل يستطيع تراثنا أن يسهم ببناء مستقبل حضاريّ مقنع؟ في الحقيقة كل المعطيات والدلائل المنطقية تؤكد بأنّ مفاهيم وتعاليم تراثنا لم تستطع مطلقاً أن تبني نظاماً معرفيّـاً عصريّـاً يستطيع أن ينسجم مع مواكب المفاهيم الحديثة التي كرست شرعيتها الحضارية في العديد من دول العالم المعاصر، بل على العكس من ذلك فقد اصبح الكثير من مفاهيمنا التراثية عبئاً على الحضارة البشرية وعقبة عملاقة في طريق الحداثة.     سيقوم طبعاً العديد من الكتاب الاسلاميين الذين يطلقون على انفسهم بالمجددين بتبرير تلك العيوب الفاضحة المعتملة في ثوابتهم بالقول بأنّ الخلل لا يكمن في النظرية مطلقاً وانما في التطبيق، وأنّ النظرية منظومة كاملة وخالصة ومنزهة من العيوب، وأنّ هذا التردي الذي نعيشه اليوم انما يتحمل اسبابه حمَـلة لواء تطبيق النظرية وحدهم لا غير، إذ لم يكونوا أهلاً لحمل لواء تلك النظرية الابدية المعصومة من الزلل والمحفوظة في لوح سماويّ محكم كما يزعم هؤلاء (المجددون!!)، وهذا كلام بالطبع شائع جداً ومستهلك وساكن في أرض الهزال العقليّ والزيف المعرفيّ ولا يقف على أسس منطقية متماسكة ، كلام يحاول أن يحمي الجذور التاريخية المقدسة بشتى الوسائل حتى لو استدعى ذلك الامر قطع رؤوس أشد الحقائق بديهية والتنكيل والتمثيل بأعظم وأرقى المفاهيم الحضارية الحديثة الطامحة الى انقاذ الانسان من دساتير وتعاليم الصحارى والكهوف.إنّ هذا الكلام الببغاويّ الذي يرتدي جلباب الزيف لا يهدف في الحقيقة سوى الى تجميل العقائد البدائية القاصرة حضارياً ومعرفياً وحتى إنسانياً وتزيينها بمكياج مفاهيمي ملتو ومترع بالسذاجة تهدف طاقته السلبية الى عرقلة طاقة النقد وتحويل مسارها الايجابيّ المنتقد للجذور الى مسار سلبيّ يتمثل في نقد الفرعيات التي لن يغنينا نقدها في شيء لأنها لا تشكل علامات مهمة يمكن التعويل عليها في عملية المراجعة النقدية الشاملة التي تطمح الى بناء ثقافيّ جاد وحاسم باستطاعته أن يقوض هياكل المفاهيم القاحلة ويعلي بدلاً عنها مفاهيم حديثة تنتصر للحياة.   هناك اشكالية كبرى تواجه العملية النقدية الجذرية تتمثل في اتهام كل نقد ثقافيّ جاد للمقدس التراثيّ بأنه (تجريح) لمشاعر الملايين من الناس الذين يجلسون وينامون ويتضرعون تحت الرايات الفضفاضة لذلك المقدس.إنّ اتهام النقد بأنه تجريح  من الطبيعي ان يكون بمثابة (فيتو) طارد ومتهم – بكسر الهاء – لكل يد نقدية مشتهاة ومطلوبة تطمح الى وضع اصابعها المكتشفة الجادة على المناطق العليلة في جسد عقائدنا ومفاهيمنا الموروثة والمسلم بها، وبالتالي فانّ ذلك (الفيتو) يريد أن يصبح مقدساً آخر يضاف الى عشيرة مقدساتنا الثقيلة، ويريد أن يمارس وصاية جاهلة على ما يفترض أن يكون أقدس المقدسات: النقد.  &nbsp

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram