أقر مجلس النواب قانون مجلس القضاء الأعلى باثنتي عشرة مادة فقط ، منها خمس مواد ختامية وانتقالية ( ( تتعلق بـ :- 1- تحديد تشكيلات المجلس بنظام داخلي . ( م / 8 ) 2- حلول مجلس القضاء محل السابق ( م / 9 ) .3- إصدار التعليمات ( م / 10 ) 4-- إلغاء قانون سابق ( م / 11 ) . 5 - نفاذ القانون من تاريخ نشره ( م / 12 ) . ) )
وسبع مواد موضوعية فقط . وقد استلت المواد الموضوعية السبعة الباقية من أربعة مصادر قانونية نافذة ، مع بعض المتغيرات البسيطة غير المؤثرة ، هي :-
المصدر الأول : الدستور . أخذت منه المواد :- ( 1 و3 / أولا وثانيا وثالثا )
المصدر الثاني : قانون التنظيم القضائي .أخذت منه المواد( 3 / ثامنا وتاسعا وعاشرا و6 ) .
المصدر الثالث :- الأمر 35 لسنة 2004 . أخذت منه ( المواد 2 و 3 / رابعا وخامسا وسادسا و 5 و6 و7 ) .
المصدر الرابع : قانون تمديد خدمة القضاة . أخذت منه ( المادة 3 / سابعا.)
ولم يأت القانون بشيء جديد ( كأحكام قانونية مستحدثة لم يسبق النص عليها أو معالجتها في القوانين الصادر سابقا ) سوى أمرين اثنين فقط ، وكلاهما مخالف للدستور :-
1- إعطاء صلاحية لمجلس القضاء لـ ( اقتراح القوانين المتعلقة بشؤون القضاء ومتابعة تنفيذ الاتفاقيات القضائية .) المادة ( 3 / حادي عشر ) ورغم أهمية إعطاء القضاء صلاحية ( اقتراح القوانين ) إلا أن تلك الصلاحية قد تواجه تحديين كبيرين ، التحدي الأول هو نص المادة ( 60 ) من الدستور التي نصت على أن مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ،أما مقترحات القوانين فتقدم من عشرة أعضاء من مجلس النواب أو من إحدى لجانة المختصة . أما التحدي الثاني فهو قرار المحكمة الاتحادية العليا الذي قضى بـان مقترح القانون ليــس ســـوى ( فكرة ) ولابد أن يمر بالسلطة التنفيذية لتقره كمشروع قانون ، وإلا تعذر على مجلس النواب تشريعه كقانون .
2- إعطاء صلاحية للمجلس لـ ( تخويل رئيسه بعضا من مهامه ) طبقا لما نصت عليه المادة ( 4 ) من القانون .وهذا النص هو أخطر النصوص وأكثرها إمعانا في خرق استقلال القضاء من داخله ، لأنه تحد خطير يهدد – بقوة - مبدأ استقلال القاضي ، ويخالف بطريقة صريحة أحكام الدستور ، لان الدستور ينص على أن يتولى ( مجلس القضاء الأعلى ) كـ ( مجلس تصدر قراراته بطريقة جماعية ) إدارة شؤون الهيئات القضائية والإشراف على القضاء الاتحادي ، ولم ينص على جواز تخويل مهامه تلك لأية جهة أو فرد ، لان جماعية القرار في شؤون القضاة وحقوقهم ضمانة هامة من ضمانات استقلال القاضي وحمايته من تعرضه لخطر الضغط عليه أو خرق استقلاله من ( شخص أيا كان ) يمتلك أمر نقله أو ترقيته أو أي شأن من شؤون وظيفته ، لذا فإن الدستور منح إدارة شؤون القضاء والقضاة للمجلس ، قراراته جماعية ، ولم ينص على جواز تخويل صلاحياته ، وهذا هو عين ما فعله الدستور في السلطتين التشريعية والتنفيذية ، فالسلطة التشريعية تمارس من قبل مجلسين بصورة جماعية في كل واحد منهما ،هما مجلس الاتحاد ومجلس النواب ، أما السلطة التنفيذية فلا يمارسها رئيس الوزراء بل مجلس الوزراء ، وتلك هي ستراتيجية عامة تتبناها الدساتير منع بموجبها الاستناد إلى فردية القرار في أعلى السلطات ،
فكيف يأتي قانون مجلس القضاء فيخرق تلك الستراتيجية الدستورية فيجعل القرار فرديا في إدارة شؤون القضاة والقضاء بمنحه لشخص رئيس مجلس القضاء الأعلى ( رئيس محكمة التمييز الاتحادية ) مع كل احترامنا وتقديرنا له أيا كان وفي أي وقت .
وقد وقع القانون بنفس هذا الخطأ الدستوري حينما نص في المادة ( 10 ) منه على إعطاء سلطة إصدار التعليمات لتسهيل تنفيذ القانون لرئيس مجلس القضاء ،وهو أمر يخالف أحكام الدستور وفقا للفهم الذي اشرنا إليه آنفا ، إذ كان ينبغي إعطاء صلاحية إصدار التعليمات لمجلس القضاء كمجلس وليس لرئيسه .
إلا أن القانون أحدث تغييرات في أحكام قانونية قائمة عن طريق أخذه بحلول قديمة كانت موجودة في النظام القانوني العراقي أهمها أمران فقط :-
1- العودة إلى جعل رئاسة مجلس القضاء الأعلى لرئيس محكمة التمييز الاتحادية ، أخذاً بما جاء به أمر سلطة الائتلاف الموقتة المنحلة ( قانون إعادة تشكيل مجلس القضاء ) رقم 35 لسنة 2003 ، وتخلياً عما أخذ به قانون إدارة الدولة ( في المادة الخامسة والأربعين منه ) بجعل رئاسة مجلس القضاء الأعلى لرئيس المحكمة الاتحادية العليا .
2- العودة إلى الأخذ بلجنة واحدة ( اللجنة الثلاثية ) للنظر في :- 1- دعاوى القضاة للمطالبة بحقوقهم المهنية. 2- تأديبهم انضابطياً . وتكون قراراتها خاضعة للطعن بها بالتمييز أمام الهيئة المدنية الموسعة في محكمة التمييز الاتحادية خلال ثلاثين يوما من تاريخ التبلغ بالقرار . وهو حكم كان معمولاً به قبل عام ( 2003 ) وفقا لقانون وزارة العدل وقانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 .
هذا هو الجديد فعلا في قانون مجلس القضاء الأعلى . فهل يتلاءم ذلك مع ما ادعته الأسباب الموجبة للقانون حين تقول :- ( ولغرض تشكيل مجلس القضاء الأعلى بما يلائم التطورات الحاصلة في المجال الدستوري والقانوني والقضائي في العراق ... شرع هذا القانون ) ؟
أترك الأمر للقارئ .