TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العراق ومعتقل تسفيرات تكريت

العراق ومعتقل تسفيرات تكريت

نشر في: 12 أكتوبر, 2012: 06:05 م

أحد الهاربين من سجن تسفيرات تكريت، في الاحداث التي وقعت مؤخرا، موقوف تحت طائلة "4 إرهاب" وعمره لا يتعدى الـ 16 ربيعا، قرر تسليم نفسه للحكومة المحلية لأنه اكتشف كذبة زملائه الفارين الذين أكدوا له "سقوط النظام". وبعد أن اكتشف العكس قرر هذا الفتى التكريتي العودة للسجن بانتظار أن يحدد "النظام القائم" مصيره. هذا السلوك الفريد من نوعه في بلد مثل العراق يدعو الكثيرين للشك باصل كونه مجرما، كما يدعو أيضا للمطالبة بالتخفيف من الأحكام القضائية التي ستطوله لاحقاً.
الفتى المؤمن بالدولة قرر العودة لمعتقله، فيما لايزال 70 من زملائه خارج السجن يلعبون لعبة "الغش والاختفاء" مع القائد العام للقوات المسلحة الذي يفاوض الكرميلين على كلاشينكوف وميغ. لا يختلف هذا الصبي عن غيره من المجرمين والفاسدين والخارجين على القانون، الذين يعج بهم العراق ممن يعتاشون على تقويض دولته، إلا بسرعة عودته إلى بيت الطاعة في وقت لا يزال غيره طليقا يتبجح بسقوط النظام فعلاً وقولاً ومن على مقاعد البرلمان أو من وراء مكاتب الحكومة.
كم سياسيا أو وزيرا أو رجل أعمال يعمل ويتعامل مع "النظام" في الصباح لكنهم يخرجون عليه عند أول فرصة تتاح لهم، وهم يواصلون هذا الدور منذ 2003 دون الخشية من مطاردة أو تأنيب ضمير كما حصل مع هذا الفتى الذي اجهل ملابسات اعتقاله؟ الفرق بين هذا الصبي والآلاف من "طفيليات" الدولة العراقية هو الاعتقاد، عن خطأ أو صواب، بهيبة الدولة وسطوتها.
"الفتى التكريتي" ضرب مثلا لهيبة الدولة المفقودة، والتي لايمكن الحصول عليها بشراء طائرات الأف 16 ولا بالتعاقد على دبابات الابرامز وعجلات الهمر الأميركية. فهناك فرق شاسع وكبير بين الهيبة والقوة في منطق بناء الدول، فالأولى (الهيبة) ترتبط باستقرار النظام واتساع رقعة شرعيته وهي أسباب معنوية غالبا ما تكون من أبرز سمات الأنظمة الديمقراطية، فيما الثانية (القوة) فلها صلة بامتلاك وسائل القمع، حتى لو كانت بغطاء قانوني، وهي أسباب مادية تشكل بدورها سمات للأنظمة الشمولية والاستبدادية.
في ضوء ذلك، يبدو أن قادة العراق الجديد وبعد عشرة أعوام من التغيير يجهلون أولويات إعادة بناء نظامنا الجديد، فهل هم بصدد بناء نظام ذي هيبة، أم نظام ذي قوة؟ هل نحتاج لنظام يشترك في بنائه جميع مكوناته الإثنية والطائفية على أساس "عقد اجتماعي" يعبر عن إرادة الكل، أم نبني نظاماً يقوم على الإقصاء لا المشاركة، وقوة السلاح لا السلام، والفوضى لا القانون؟
هذا الارتباك والتخبط يبدو جلياً في طبيعة علاقات العراق الملتبسة والمتناقضة التي تربطه ببعض الدول والأنظمة التي لا يجمعها جامع. فمرة نعقد اتفاقيات إستراتيجية مع الولايات المتحدة والغرب، وتارة نعود القهقرى لنبش علاقات ميتة متعفنة مع أنظمة لديها مشاكل كبيرة مع المعسكر الثاني، كسوريا وإيران،وأخيرا روسيا التي يزورها رئيس حكومتنا في الوقت الحاضر.
مؤشر آخر على تخبط نظامنا الجديد هو موقفه من الحريات التي نص عليها الدستور. ففيما يعلن الالتزام بالقانون إلا انه يتم الالتفاف عليه عبر تشريعات فضفاضة ومبهمة تقبل التأويل والتأويل المضاد، كما حصل في قانون الانتخابات وقانون حماية الصحفيين وغير ذلك.
للأسف فان ساسة العراق على اختلاف توجهاتهم يجدون متعة كبيرة للعمل في ظل هكذا "نظام ملتبس" يوفر لهم أسباب التسلط والنفوذ والإثراء على حساب سمعة البلد ومكانته الدولية والإقليمية.
بعد عشرة أعوام من التغيير لا يزال العراق موقوفا في "سجن تسفيرات"، لم يستطع الخروج منه وتحديد بوصلته الجديدة. ما زال عراق ما بعد صدام حسين يقف حائرا وسط مفترق طرق الهيبة/ الديمقراطية، والقوة/ الاستبداد بانتظار من يحسم له أمره إما بالعودة إلى القمقم أو الانطلاق في فضاء العالم الحر.A

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: عجائب وقفية !!

البريكس.. عيون عراقية

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram