كتب تشارلز جنينس (1700-1773) النص لخمسة من أهم أعمال هيندل الدرامية، بينها المسيح وشاؤول وهذا الاوراتوريو الذي ألفه هيندل صيف سنة 1744. وهو أحد أعمال هيندل الدرامية العظيمة، بل لعله أعظمها. يتناول العمل جوانب من سفر دانيال في العهد القديم، وسقوط بابل والإمبراطورية الكلدانية على يد كورش الفارسي سنة 539 ق.م. شخوص الاوراتوريو الرئيسية هي:
بيلشاصر ملك بابل (تينور)،
نيتوكريس أم بيلشاصر (سوبرانو)،
كورش، أمير فارس (آلتو)،
دانيال نبي اليهود (آلتو)،
غوبرياس، نبيل آشوري التحق بكورش (باص)
آريوخ، من أسياد بابل (تينور)
مراسل (باص)
ويخال لي أن أهم شخصية في الاوراتوريو وأكثرها حضوراً وتأثيراً هي الملكة الأم، نيتوكريس. ولابد من القول إن الكتاب التوراتيين الذي وضعوا الصياغة النهائية لسفر دانيال في القرن الثاني ق.م. قد اختلط عليهم الأمر، لأن آخر ملوك بابل كان نابونايد وليس بيلشاصر (بيل شار اصر، وهو ابن نابونايد). والتصوير الإيجابي للملكة الأم قد يعكس تبجيل الناس لأم نابونايد، أداد-كـوپّـي (أو كـوفّي) كاهنة معبد سين (القمر) في حران التي توفيت سنة 547/546 ق.م. بعد أن عمرت أكثر من مئة عام. أذكر كذلك أن جيش كورش احتل بابل دون قتال بعد خسارة الجيش الكلداني معركة أوپـيس (أيلول 539 ق.م.) وأوپـيس هي أوفي أو أوفيا بالأكدية، وهي مدينة تقع على الضفة اليسرى من دجلة قرب بغداد (ربما بالقرب من مصب نهر ديالى). هذه المعركة حسمت الصراع بين الطرفين، فقد انتصر فيها كورش واحتل سبّـار، ومنها دخل الفرس بابل دون مقاومة وأسروا نابونايد.
يبدأ الاوراتوريو بمقدمة موسيقية رائعة، تليها مونولجات نيتوكريس أم الملك حيث تتخوف من مصير المدينة، ثم تتحاور مع دانيال الذي يقول: لا تنتحبي، فذنوب بابل هي التي طلبت عاقبتها. أما كورش فيتحاور مع غوبرياس (وهو نبيل آشوري قتل بيلشاصر الطاغية ابنه)، ويطلب منه الكف عن رثاء ابنه، والتهيؤ للانتقام من قاتله. في هذه الأثناء تحاول أم الملك ثني ابنها عن عنجهيته وغيه وتحذره من أفعاله في ثنائية رائعة. وتفشل في منعه استعمال آنية الهيكل. عندئذ تطل علينا اليد التي كتبت الكلمات الآرامية الشهيرة على الحائط: منا ثقل وفرسين [تلاعب لفظي بالأوزان البابلية: من مثقال ونصف المن]. فيصاب الملك بالرعب ولتفسير الكلام يطلب حكماء بابل الذين يعجزون عن ذلك، فتقترح نيكوتريس أن يأتوا بدانيال الذي يرفض عطايا الملك، ويشرح له معنى العبارة: قربت نهاية مملكتك وسيصيرها الرب ليد أعدائك الفرس والميديين.
يدخل كورش القصر، ويقتل بيلشاصر. يلي هذا الحدث الرئيسي ثلاثة من أجمل مقاطع الاوراتوريو، يغني غوبرياس في الأول أغنية هي مزيج بين النشيج والضحك، الفرح والحزن، ثم بعد أغنية حماسية قصيرة لكورش يعلن فيها عن عدائه للطغاة، تغني الملكة نيتوكريس ثنائياً مع كورش، تطلب منه الملكة الحزينة الرأفة بالشعب، أما كورش فيطمئنها ويعدها بأنها ستبقى ملكة وأماً، وأنه سيكون في مقام ابنها.