فريدة النقاش جسدت مظاهرة السلفيين وتحالفهم مع كل التيارات الإسلامية يوم الجمعة 29 يوليو حقيقة الثورة المضادة في قلب الثورة، ففي حين جعلت الثورة من الحرية الحقة المتكاملة هدفا لها لم تنجزه بعد، هجمت الثورة المضادة متصدية باسم الدين لميلاد الحرية، ولجأت لإرهاب جماهير الثورة وتوتير الأوضاع ومحاولة جر الجماهير إلى شعارات بعيدة عن شعاراتها، وهي تسعى للحيلولة دون التطور المنطقي للثورة الديمقراطية إلى ثورة اجتماعية اتساقا مع الانطلاقة الأولى: عيش حرية كرامة إنسانية عدالة اجتماعية.
انحدر الإخوان المسلمون تاريخيا وكل من خرج من عباءتهم من واقع الصراع السياسي الاجتماعي الوطني ممثلين للتوجهات القديمة المعادية للحداثة والديمقراطية، ولكل ما راكمته الإنسانية على امتداد تاريخها الحديث من قيم المساواة وحرية الاعتقاد والاجتهاد والتعايش بين المختلفين، وقادهم صراعهم مع عبدالناصر حول هذه القيم ذاتها وبشكل أساسي صراعهم على السلطة للهروب إلى بلدان النفط وهناك راكموا الثروات التي عادوا بها على أجنحة سياسة الانفتاح والاقتصاد الحر الساداتية التي أبدوها وزايدوا عليها. أما السلفيون فهم نبت مزروع قسرا في البيئة المحلية بفعل ثروات النفط ومن قلب السعودية على نحو خاص، والتي كانت بيئتها المغلقة العشائرية قد أنتجت الفكر الوهابي المغلق بدوره والقادم من العصور الوسطي بل ومن القبور، وتحالف الإخوان المسلمون مع كل من السلفيين والتيارات الدينية الأخرى من أجل هدف صريح هو قطع الطريق على الثورة والحيلولة دون تطور الأوضاع في اتجاه بناء الدولة المدنية التي هي موضوعيا دولة علمانية ينفصل فيها الدين عن السياسة وذلك استمرارا وتطويرا لشعار ثورة 1919 الوطنية الكبرى «الدين لله والوطن للجميع».ارتبط تاريخ كل من الإخوان المسلمين والتيارات الجهادية الإسلامية والسلفيين بالعنف الذي تفاوتت أدواته من ميليشيات عسكرية إلى هجوم على الكنائس وصولا إلى قطع أذن مواطن مسيحي،إلى العنف المعنوي ضد النساء والمسيحيين. ورغم أن القيادات العليا في أوساطهم بالغة الثراء وهم تجار شطار إلا أنهم يعتمدون على قاعدة من الشرائح الدنيا الضائعة في المجتمع المنقسم بين الأغنياء والفقراء والفقراء المدقعين الذين أفرزهم القانون العام والمطلق للتراكم الرأسمالي وألقي بهم على هوامش المدن في الأحياء العشوائية وأوكار البؤس والمخدرات.وعادة ما استخدمتهم الطبقات المعادية للثورة لتشتيت صفوف الجماهير وإرهابها، وهم عادة على استعداد لارتكاب الفظاعات لأنهم ضحايا الفقر الثقافي والروحي واليأس العميق من المستقبل، وهم يشكلون بهذا الفقر المركب أكثر الفئات استجابة للأوهام الجديدة التي يطلقها الإسلاميون بكل تجلياتهم، مستخدمين آليات جبارة لتثبيت هذه الأوهام على رأسها أعمال الخير لمكافحة الفقر دون برنامج جدي للقضاء على هذا الفقر، فوجود الفقراء ضروري لهم. وعادة ما تولد مثل هذه الظواهر وتنمو ردا على أزمة اقتصادية وسياسية وروحية عميقة، تستدعي من المجتمع القديم أشد عناصره رجعية وعداء للحرية بما في ذلك الحرية الفكرية والروح النقدية التي غالبا ما تكشف بأدواتها التحليلية الثاقبة الغطاء عن الأوهام التي يروجون لها ويقدمونها كحل للأزمة، ودفع بهم مثل هذا الانكشاف لأشكال من السلوك الهمجي لإرهاب الخصوم السياسيين وبث الذعر في نفوس الجمهور المؤيد للثورة بمطالبها الاجتماعية والديمقراطية، مع خطاب تحريضي عدواني غير قابل للجدل وهدفه الأساسي هو إطلاق النزوات من عقالها لأنهم يعتبرون البشر العاديين محكومين فقط بغرائزهم، وهكذا كان بث الرعب وتمزيق لافتات القوى الديمقراطية والعدوان على خيامها ومنصاتها، وهو نفسه السلوك الذي طالما لجأت إليه القوى الفاشية في أوروبا قبل وبعد الحرب العالمية الثانية وما تلجأ إليه القوى النازية الجديدة هناك الآن في ظل الأزمة العامة مما يجعلنا نقول بوجود طبقة عربية إسلامية للفاشية تهدد التطور الديمقراطي تهديدا حقيقيا. لا يكفي أن نقول إن مسار التاريخ يتجه إلى الحداثة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لأن توحيد قوى الثورة هو مفتاح انتصارها الذي سيكون عنوانا على نضجها الذاتي في مواجهة الثورة المضادة التي تراهن على ماض لن يعود وتبدو أصواتها قادمة من القبور، بينما تؤسس الثورة للأمل في مستقبل أفضل ترفرف عليه رايات العدالة والمساواة الحقة والكرامة الإنسانية.
أصـوات مـن القبــور
نشر في: 3 أغسطس, 2011: 05:49 م